أساس قوة الباطل.. كل باطل
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
علمتنا الثقافة القرآنية: أن الحق وأهله لا يسقطون، ولا ينكسرون إلا في حالة واحدة:
وهي حالة التماهي مع الوضعية الفاسدة، والعمل على تبرير كل ما هو موجود من ظلم وفساد وفقر وانعدام للإمكانات التي لم يكن انعدامها إلا كنتيجة لعدم وجود رؤية سياسية جادة، تتسم بالعمق والاتساع والشمول المعرفي لكل ما هو ممكن، لكي يتم البناء للفرد والمجتمع، ولذلك تكثر التبريرات لكل ما يعتري الواقع من خيبات ونكسات من قبل أولئك الذين يتحركون باسم الحق، ولكنهم لم يكونوا يوماً بمستواه، ولم يصبحوا جديرين بحمل رايته ما بقيت هنالك ثغرات يمكن للعدو استثمارها لإسقاطهم من الداخل، وهي بالطبع ثغرات ناتجة عن ضعف الأداء العملي، ونقص الوعي والمعرفة، وضعف الإيمان.
إن الجديرين بالحق، هم الذين لا يعيقهم حصار الأعداء، ولا يعيشون عالة على ما يأتيهم من الخارج في المطعم والملبس، ولا يتذرعون بالماضي وتبعاته الهدامة، بل يتحركون بصدق وإخلاص وقوة ويقين لتغيير الواقع، مؤمنين أن مَن له خزائن السماوات والأرض لن يخذلهم ماداموا معه، مخلصين بعبوديتهم له، دائمي الرجوع إليه، ولذلك فكل صعوبة، كل تحدٍ، كل ألم يلاقونه ما هو إلا النار التي تكشف للعيان أصالة معدنهم وصدق التزامهم وعظمة صبرهم وكمال نهجهم، فهم كلما أحاط بهم تراجع أو حصل لهم انكسار أو حلت بهم هزيمة علموا أن ذلك من عند أنفسهم، وأنه سبب ناتج عن تقصيرهم وإسرافهم وارتكابهم للمعاصي وركونهم إلى ما تم لهم قبلاً، وتفريطهم بجنب الله، فيسارعون للنهوض من غفلتهم وينطلقون بسرعة البرق ليقدموا بين يدي ربهم تقريراً تضمن اعترافهم بما بدر منهم، طالبين من ربهم المغفرة والرحمة بصدق توبة وإنابة، مستمدين وسائلين ربهم أن يثبت أقدامهم وينصرهم على عدوهم «وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين».
وهم إلى جانب كل ما سبق؛ يعرفون أن الحق متى ما قُدم بكماله وجاذبيته وجماله ووضوحه في أي ميدان من ميادين التزامه والعمل به سواء كان ذلك في ساحة الفكرة والكلمة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والإدارة، أو في ساحة الموقف والسيف والرصاصة، فإنه كفيل بإزهاق الباطل، لكن بشرط: أن يؤهل العاملون في ظله أنفسهم إلى المقام الذي يجعلهم جديرين بشرف حمله والتعبير عنه.
ومن هنا نستوحي كعاملين في سبيل الله وفي ميادين الفكر والثقافة والتوعية والتربية والتعليم على وجه الخصوص ثم في بقية الميادين بصورة عامة ألا نكون في ما نقدم ونربي ونثقف منحصرين في نطاق واقعنا ومحدودين بحدود مشكلات وأحداث زماننا، لأنا بذلك سنصنع نفوساً في الجيل القادم نسخة مما عليه نفوسنا، بل لا بد من الحرص على تقديم الدين كاملاً، لا بد وأن نعلم الجيل الفتي كيف يكونون رجالاً، كيف يكونون جنوداً لله، وكيف يكونون أنصاراً لله يعملون على إعلاء كلمته، وأن ننظر بعين المستقبل ونتحرك بحركة الدين كله لنتمكن من الإحاطة بمعرفة الزمن كله.
وعلينا تتبع حركة الزمن وتفهم مجريات الأحداث واستيعاب ووعي ما اختزنه التاريخ على امتداد الصراع بين الحق والباطل، لنتحاشى ما وقع به المقصرون وضعيفو الوعي وناقصو الإيمان، وإن تحركوا تحت راية الإمام علي (عليه السلام) وتسموا باسم جند الله وأنصار دينه.
وختاماً؛ ليست فقط عوامل قوة الباطل لدى الصهيونية العالمية وغيرهم من سلاطين الجور وقوى الاستكبار هي التي مكنتهم من التحكم بمصير الناس، بل إن تخاذل أهل الحق وتقصيرهم وضعف وعيهم هو العامل الوحيد في قوة الباطل واتساع دائرته.
لذلك علينا أن نعرف أن تخاذل المحسوبين على الحق والداخلين ضمن صف الحق هو أساس قوة الباطل وعمود سيطرته وغلبته، ويكفينا لو أننا نستوعب هذه الكلمة للشهيد القائد (رضوان الله عليه) حيث يقول: «حالة الانكسار والضعف والعجز والانهزامية هي حالة يصنعها ضعف وعي من ينطلقون للعمل، وإن كانوا تحت راية علي (عليه السلام) ويحملون اسم جنود الله وأنصار الله، لأن وعيهم قاصرٌ وإيمانهم ناقصٌ».

أترك تعليقاً

التعليقات