لافتة تفتيتية اسمها الاتحادية
 

محمد ناجي أحمد

يبدو أن الهاجس الرئيسي لتمثيلية ما سمي (الحوار الوطني) كان إعطاء صفة الإجماع على تقسيم اليمن إلى جغرافيات سياسية صغيرة، تحت مسمى الأقاليم والولايات، لذلك جاء التقسيم بقرار من عبد ربه منصور هادي إلى 6 أقاليم!
كان الهدف الرئيسي من الاستعمار البريطاني لعدن والجنوب الذي استمر لأكثر من 129 عاماً، هو السيطرة على حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، واستخدام عدن كميناء لتزويد السفن بالوقود، وحماية المشيخات الخليجية، لهذا كان وضع اليمن كمشيخات وسلطنات ضمن اتفاقية ومعاهدات الحماية، والسيطرة على الجزر اليمنية في البحرين الأحمر والعربي بهيمنة بريطانية، وإعطاء هامش من الجزر لإيطاليا وفرنسا، واحتلال تركي لشمال اليمن، ثم تحجيم المملكة اليمنية المتوكلية ضمن الحدود المتفق عليها بين الأتراك والإنجليز في اتفاقية عام 1905م، وهي الاتفاقية التي أصبحت ضمن ملاحق اتفاقية سايكس بيكو التي وقعت عام 1917م كتقسيم لتركة الامبراطورية العثمانية بين فرنسا وبريطانيا.. ذلك الوضع التفتيتي لليمن كان من وجهة نظر بريطانيا يحمي مصالحها في الخليج وفي البحر الأحمر، لهذا فما يسمونه الدولة الاتحادية ليس سوى إعادة رسم للجغرافية السياسية بما يخدم الأهداف والمصالح الغربية في البحر الأحمر واحتياطي ثروتهم في الخليج العربي.. ولأن جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية هم رأس حربة الاستعمار الغربي حين كان شعارهم المبهم (الإسلام هو الحل) في مواجهة القومية والوحدة العربية، ها هم اليوم يتبنون شعاراً لا يقل غموضاً عن السابق، وهو شعار (الدولة الاتحادية هي الحل). إنهم يرفعون شعارات غامضة ومبهمة، والهدف الجوهري هو إعادة رسم الجغرافيا السياسية والصراع بما يؤمن مصالح الغرب، ويجعل اليمن مجرد جزر مفككة ومنهكة بفعل تغذية وتمويل الاقتتال الداخلي.. في كل محطات الصراع مع الغرب كان الإخوان المسلمون رأس حربة غربية في هذا الصراع، فمن مفاوضات الجلاء مع الإنجليز بمصر، إلى حلف بغداد إلى مشروع أيزنهاور، والتآمر على الوحدة المصرية السورية، إلى موقفهم المنحاز للملكيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، إلى معارضتهم لكل توجهات العدالة الاجتماعية، وموقفهم الموجه سعودياً ضد الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، والتحريض ضد دستور الوحدة... إلخ، في كل تلك المحطات كان الإخوان والجماعات الجهادية أداة الغرب في تقويض أهداف الأمة العربية.. لقد عملوا بإصرار على انهيار الدولة اليمنية من هشاشتها وضعفها إلى تقسيمها بلافتة اسمها الدولة الاتحادية، تقسيم بقوة العاصفة السعودية وبقية مشيخات الخليج إلى عصبويات تمتزج فيها المناطقية بالمذهبية بالجغرافيات السياسية المتناهية في الصغر، كل ذلك حماية لدويلات محطات البنزين... لذلك جعلوا من لافتتهم الاتحادية أيديولوجيا للتقدم والكرامة، وهي في حقيقتها سقوط السقوط!
لا توجد دولة قوية ويسوقون بأن (الحل هو الدولة الاتحادية) بين الأقاليم والولايات والحارات والقرى!
الناس يحتاجون إلى وطن وحدوي يؤمن معيشتهم وأمانهم واستقرارهم وتنقلاتهم، وهم يقولون لهم المشكلة في الدولة المركزية والمركز المقدس، والمفارقة التراجيدية أن الدولة المركزية والمركز الجامع هي الفريضة الغائبة التي تناسل من غيابها كل هذه الانهيارات!

أترك تعليقاً

التعليقات