السعودية.. كيان بلا انتماء
 

محمد ناجي أحمد

لا أجد تغيراً في المواقف المتآمرة للكيان السعودي، ودوره المطلوب أمريكياً في تخليق (الشرق الأوسط الجديد)، فما ذكره صاحب كتاب (نحن وأمريكا) (نمر الصالح) عام 1981م، يتطابق مع مسار هذا الكيان حتى أيامنا هذه، المشروع نفس المشروع والدور نفس الدور.. فقط لا غير لم يعد هناك منظومة اشتراكية، وبدلاً من الاتحاد السوفيتي أصبحت روسيا كدولة رأسمالية تنافس وتزاحم أمريكا في النفوذ والصراع على الشرق الأوسط..
في أواخر عام 1979م تداولت معظم الصحف ووكالات الأنباء العالمية حديثاً لجوزيف سيسكو مساعد وزير الخارجية الأمريكية حينها، قوله (إن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تواجه المأزق بوضع خطة اقتصادية جديدة وسريعة، وينبغي أن تعتمد الخطة وحدة أمريكا وحلفائها من دول أوروبا الغربية). ومن البديهي أن أية خطة اقتصادية تضعها أمريكا سوف تكون المنطقة العربية نفطياً واستراتيجياً وجغرافياً في حسبانها.. من هنا يمكن فهم الاتفاق الأمريكي الغربي مع إيران لمواجهة أزمات الاقتصاد..
لقد كان دور وهدف الرئيس بوش الابن بكل (العنف المقدس) الذي مارسه على المنطقة العربية وغيرها باسم الرب، إنهاء تمرد العالم الثالث، الذي استمرت بؤره مستمرة، لهذا جاء الرئيس أوباما ليحقق المحور الثاني المتمثل بخطة اقتصادية واحدة للغرب الرأسمالي.. فالشرق الوسط هو جوهرة الغرب الذي يجب طمس ثوراته وانتصارات شعوبه ضد الاستعمار والطغيان، بل لقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية المتحالفة معها في جعل أرض العرب أسواقا مفتوحة ومدنا تدار بواسطة شركاتها المتعدية للجنسيات، واستطاعت طمس العوامل الموضوعية للعروبة من خلال تغيير في الخارطة السكانية، لغة وانتماء في الإمارات وقطر والكويت، وبشكل ينمو في السعودية، كما كان يراد لعدن في فترة الاحتلال البريطاني حين تم استجلاب الهنود والصومال وغيرهم، من أجل تغيير الخارطة السكانية والانتماء!
لقد كانت الرجعية العربية هي أداة الغرب في إجهاض مشروع الدولة العربية الواحدة، وهي اليوم أداته في تمزيق الدولة الوطنية إلى فسيفساء متنافرة ومتصارعة!
ما كان يؤمن به العربي من أن أرض العرب للعرب، وثروات الأرض العربية لشعوبها، وأن الإنسان العربي لن يقاتل إلاّ خلف مصالحه، وأن الصهيونية قوة غربية وغريبة فوق ترابنا، وأن الرجعية العربية طليعة الاستعمار وكشافه إلخ، كل ذلك أصبح في أيامنا ومع هرولة أدعياء القومية والاشتراكية واليسار، خطابا قد عفا عليه الزمن الأمريكي بنظامه الواحد، وصناعته لتاريخ بدأ منذ 98-90م بإماتة تاريخ الإنسان وبداية تاريخ التوحش الرأسمالي! لا طريق أمام هذه الأمة من محيطها لخليجها إلاّ طريق الرفض والتصدي لمشاريع الغرب التفتيتية، وتوسيع المشترك بينها وبين كل دول المنطقة الرافضة لمشروع الهيمنة الغربية.. لقد عملت الرجعية العربية ممثلة وعلى رأسها الكيان السعودي وبقية محطات البنزين والأردن والمغرب، على خيانة القضية المركزية فلسطين، من خلال اتفاقية كامب ديفيد، ومن خلال شعار (لا للمرحلية) ووقوفهم قبل ذلك في وجه عبد الناصر واليسار العربي..
ليس للرجعية العربية من أيديولوجية تنتمي إليها بما فيها الوهابية التي تستخدمها كفقاسة لاغتيال العقل العربي! إن انتماءها الأوحد هو الحفاظ وحراسة مصالح الغرب وتوسيعها.. ففي الوقت الذي يعلن فيه الكيان السعودي في مؤتمر عمان بداية الثمانينيات (إننا نحن العرب غير قادرين على الحرب، ولا بد من حل سلمي من خلال أمريكا، وأن ريغان أحسن رجل يحكم أمريكا)، ثم تتوالى مشاريع الاستسلام التي تقدمت بها السعودية من أجل تشريع وجود الكيان الصهيوني وسيطرته الاقتصادية لخدمة الغرب، سواء منذ مبادرة الأمير فهد عام 1982م، أو اتفاقية السلام التي تقدم بها الملك عبد الله من طرف واحد هم العرب، في بيروت عام 2002م! فإنها في ذات الوقت (لا تبالي) بنشوب حرب بين الدول العربية وإيران، بل وتعمل على بناء تحالف ضدها من أجل إسقاطها كثورة وتنمية مستقلة وقرار سياسي سيادي, باسم محاربة المد المجوسي الفارسي، الرافضي، الشيعي!
إن المهين في أيامنا أن الخطاب التزييفي الذي تتخفى خلفه السعودية، يجد من أدعياء القومية واليسار من يتبناه ويردده في وسائل الإعلام والمنابر السياسية!
لقد أعلن ريغان في بداية ولايته أنه سيحل مشكلة الشرق الوسط عام 1981م، وأعلن سيسكو أن سنة 1982م ستشهد السلام في المنطقة، وحل الصراع العربي الاسرائيلي، وكانوا بتصريحاتهم يتحركون بواسطة الرجعية العربية من خلال مبادرات الاستسلام التي تقدمها السعودية ويساعدها الأردن ككيانين ثالثهما إسرائيل صنعتهما بريطانيا! لقد سعت الرجعية العربية لتحقيق الاستسلام وفقا للأهداف الأمريكية الرامية إلى طمس الحق الفلسطيني فوق أرض فلسطين، وضرب الوجود الفلسطيني المقاوم خارجها بضرب حركة التحرر العربية، وإقامة تحالف عربي -إسرائيلي -أمريكي في وجه الشيوعية حينها، وهم اليوم يقيمون ذات التحالف من خلال توسيعه باسم التحالف ضد الإرهاب، لجعله موجها ضد إيران والقوى الدولية التي ترى أمريكا خطرا منها على مصالحها!
من هنا لم يكن تحرك الإخوان المسلمين لإسقاط النظام السوري عام 82م، إلا لمواقفه المعيقة لشروط السلام الأمريكية!
لقد كان المطلوب إجهاض القضية الفلسطينية من خلال إسقاط نظام حافظ الأسد حينها، ولقد فشلوا في ذلك، إلاّ أن محاولاتهم مستمرة حتى يومنا هذا، تحت لافتات عديدة جوهرها إسقاط القضية الفلسطينية ومحو أهداف حركات التحرر العربي، وإسقاط الثورة في إيران!

أترك تعليقاً

التعليقات