(العباهلة) واستلاب الوطن
 

محمد ناجي أحمد

في بيئة الحرب التي نعيشها، وخصوبة الأرض السياسية للدعوات التفتيتية في ظل (الربيع الأمريكي)، تكون استعادة الرموز التاريخية اليمنية التي ارتبطت بما سمي (حركات الردة) كـ(عبهلة العنسي)، و(الأشعث بن قيس الكندي)، و(معد كرب الزبيدي)، و(قيس بن مكشوح المرادي)، منزوعة عن سياقها التاريخي، وفي ظروف تاريخية وتحديات مختلفة، الغرض منها إعطاء التوجه التفتيتي للوطن بعداً تاريخياً وجغرافياً. فتلك الرموز ارتبطت بحركات تمرد ضد الولاء للدولة التي تكونت في الحجاز كمركز للجزيرة العربية، امتد بـ(الفتوحات) بعدئذ ليصبح امبراطورية عربية إسلامية، أموية /عباسية. فمحاولة هؤلاء القادة المعروفين كأقيال وحكام على مناطقهم، لاستعادة سيادة اليمن سلطة وثروة، كانت لديها ما يبررها وفق عصبيات تلك المرحلة التاريخية التي كانت ترى في الحجاز أقل شأناً من اليمن بحضارته وتاريخه. وحين يتم استحضار هذه الرموز في سياق وصراع مختلف، فإن ذلك يهدف إلى تعميق الشروخات داخل المجتمع اليمني، فإذا كانت تلك التمردات التاريخية، ومنها تمرد (عبد الرحمن بن الأشعث، والمهلبي الأزدي) على الدولة الأموية في عهد (عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك)، وتسمية (عبد الرحمن بن الأشعث الكندي) بـ(القحطاني المنتظر)، كل تلك التمردات لم تعمل على استعادة السيادة والحكم في اليمن، وإنما جعلتها مهمشة وتابعة وممزقة.
إن دعوات (عباهلة) هذه الأيام ليست سوى مواجهة بين الأساطير، تكون ضحيتها اليمن أرضاً وإنساناً. فالتطاحن تحت رايات وأساطير (قحطانية وعدنانية) لا يخدم سوى مشروع الغرب الذي يستخدم سياسته التقليدية (فرق تسد) وأدواته في المنطقة. فهذه الحروب التي يراد لها أن تكون أهلية، وترتدي لبوساً مناطقية ومذهبية وطائفية، الهدف منها تمزيق وتفتيت الكيان الوطني، والنيل من (وحدة اليمن المركزية) وانهيارها اقتصادياً، وانفصالها إلى أقاليم محتربة ضمن دولة فخرية اتحادية، تعمق العزلة بين مكونات الجغرافية اليمنية، وتهمش عاصمتها التاريخية صنعاء، هذه العاصمة التي تقود تاريخياً لملمة أجزاء اليمن الطبيعية في وحدة مركزية.
فدور صنعاء التاريخي، وسعيها لاستعادة الأجزاء التي كانت تحت الاستعمار البريطاني والاستعمار الإدريسي والاستعمار السعودي، كل ذلك يجعل من تهميشها وتعطيل دورها المركزي في ربط المكونات اليمنية، و(ضخ دورة الحياة في جسدها الاجتماعي، وإعادة الروح إليه مرة أخرى)، تعطيل هذا الدور يجعلها هدفاً (للاتحاديين الجدد)!
لقد كان التوجه الانفصالي الذي قاده السلاطين والمشيخات في الجنوب اليمني ضد ما سموه (بطش الإمام الزيدي)، هو الذي سهَّل مهمة بريطانيا في استعمار الجنوب، والإدريسي وابن سعود في استعمار جيزان وعسير ونجران، بحسب رأي الدكتور محمد علي الشهاري، في كتابه (الخروج من نفق الاغتراب)..
لهذا عملت بريطانيا بعد جلاء الحكم العثماني من (ولاية اليمن)، على أن تلقي طائراتها بالمنشورات الموجهة إلى (أهل المذهب الشافعي في اليمن وفي المحمية البريطانية) من أجل (تحرير) المناطق (المحتلة) من قبل (الزيود)، فالاستعمار البريطاني عام 1928م، أثناء عمليات القصف للمدن اليمنية والقرى الواقعة على تخوم شطري اليمن، أراد من خلال منشوراته الطائفية إثارة حرب أهلية، وخلخلة الكيان الوطني، وتوسيع الفرقة بين مكوناته.
وفي هذا السياق، يأتي ما كتبه عبد القادر الجنيد في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وحديثه عن 4 جغرافيات يمنية تشكل 4 سيادات مستقلة طائفياً ومذهبياً وجهوياً وتاريخياً - حسب زعمه - غير قابلة للالتئام!
يقول الدكتور محمد علي الشهاري في كتابه السابق الذكر: (لقد شهد عام 1934م التعاون الوثيق والقوي بين بريطانيا العظمى وابن سعود، من أجل تسديد ضربة مدمرة وقاتلة، ليس فقط لحركة التوحيد اليمنية، وإنما أيضاً لكيان الدولة اليمنية ذاته، وكانت الحرب الشاملة التي أعلنها ابن سعود ضد اليمن، قمة المؤامرة الدولية المستهدفة تمزيق ما تبقى من جسد اليمن، ومحق شخصيتها، وإذابة كينونتها، وتحويلها إلى مجرد ملحق من ملحقات نجد، وإسقاطها ضمن دائرة النفوذ السعودي البريطاني).
فما أشبه الليلة بالبارحة!

أترك تعليقاً

التعليقات