الشامي والزبيري ونبذ الطائفية
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد

في كل مرحلة ضعف وغزو تمر بها اليمن يكون لسلاح الطائفية والمذهبية والمناطقية دور يوظفه الغزاة. 
حين يستخدم برلماني، مثل شوقي القاضي، الفرز الطائفي والمناطقي المقيت في تحديده لما يزعمه أعداء اليمن فيحددهم بـ(الهاشمية السياسية والهضبة والحراك الجنوبي)، فإنه بهذا التحديد يسير على الطريق الذي عبَّدَه لهم العدوان الأمريكي/ الصهيوني/ السعودي. لهذا نجد التوافق بالطرح بين توصيفه وبين سام الغباري، الذي لا يمل من التحريض على الاقتتال الطائفي والمذهبي والمناطقي.
إذا كان مصطلح (الهاشمية السياسية) قد استخدمته بعد عام 2011م كتوصيف إجرائي لفهم المشهد اليمني، دون أن أحمله دلالات عدائية وسلبية، وإنما كان بالنسبة لي مصطلحاً إجرائياً محايداً، فكرت بطرحه كتوصيف لحراك سياسي، فإن من تداولوه من بعدي كالأستاذ علي سيف حسن ومحمد المقالح، ثم التقطه الإصلاحيون، ونحوا به منحى طائفياً ومناطقياً، البعض ببصيرة، والبعض الآخر دون وعي بخطورة التوصيف على الوحدة الوطنية.
الشهيد محمد محمود الزبيري في كتابه (مأساة واق الواق) الذي ألفه قبل ثورة 26 سبتمبر، حين كان بمصر، يقول: (وأنا لا أعتبر "الهاشميين" إلاَّ جزءاً أصيلاً من أبناء الشعب، ولو نازعتني الدنيا كلها عليهم لقاتلت في سبيل الاحتفاظ بهم، كما أقاتل من ينازعني على جزء من أرض بلادي، وأعتبر هذا وذاك غاصباً معتدياً أثيماً). 
 ومن شعره في ديوان (ثورة الشعر) يقول:
وبنو هاشم عروق كريمات
لنا من جذور يعربية 
إنهم إخوة لنا غير (أسياد)
علينا في عنصر أو مزية 
أرضنا أرضهم يقاسمنا نحن
وإياهم (العلى) بالسوية 
لقد كان للأستاذ محمد أحمد نعمان، وأحمد المعلمي وعبد الرحمن البيضاني، دور في  إثارة موضوع (القحطانية) و(العدنانية) وإحياء النعرة العنصرية والمذهبية، كما يرى الأستاذ أحمد محمد الشامي في كتابه (دامغة الدوامغ) لندن، يوليو 1966م. ويرد على هذا الدور الطائفي بقوله في (دامغته):
 ألا لا تنكئوا جرحاً قديماً
فلسنا للعروبة منكرينا 
ولا للعرق نغضب إن غضبنا
ولم نك في الورى متعصبينا 
 نبجل كل ذي حلم  عليم
ونحتقر  الطغاة الجاهلينا
وبالأحساب لا نسمو؛ إذا لم
تكن أحسابنا خلقا ودينا!
 ويرى الشامي في كتابه آنف الذكر أن موضوع التفاخر بالأنساب يتغير بتغير الظروف التي تكتنف المجتمع؛ لكن الثابت هو أن القرآن الكريم قد وضع حداً إنسانياً جامعاً لمفهوم الكرامة وأعلنه جلياً صريحاً لا يحتمل تأويلاً فقال: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم]، ولم يقل الشرف نسباً، ولا الأكثر مالاً، ولا الأسمى جاهاً ومنصباً، وثَبَّتَ بذلك مفهوماً إنسانياً خالداً، لا يتحول ولا يتبدل مهما تحولت الأحوال، وتبدلت الظروف وتطورت مفاهيم المجتمع وتقاليده [دامغة الدوامغ، ص27، يوليو 1966م].
ويرى الشامي في كتابه هذا أن (مؤثرات التعصب للعرق والنسب واعتبار الكفاءة بهما تتجلى في تقاليد وعادات بعض القبائل العربية في الشمال والجنوب حتى اليوم) [ص 29].
بل إنه يرى في العصبية والمفاخرة بالأنساب من سمات الجاهلية، وأن الدين على النقيض من ذلك، فالدين يقوم على المساواة... شريطة أن يكون الأكرم هو الأتقى والأسمى، هو الأبر، والأعظم.. هو الأكثر استقامة في طاعة الله، ومعرفة نواهي الشرع وأوامره والتقيد بمنطوقاتها ومفهوماتها. وقد روي عن النبي حين نزلت [إن أكرمكم عند الله أتقاكم] أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ضاعت الأحساب ورب الكعبة) [ص32].
 ومن شعر أحمد محمد الشامي في كتابه (دامغة الدوامغ) معاتباً صديقيه الأستاذ أحمد محمد نعمان والقاضي عبد الرحمن الإرياني:
بني (نعمان) لا تبغوا على من              يرى منكم رجالاً صالحينا 
(محمدكم) تجاوز في الدعاوى               وقال الزور والبهتان فينا 
خذوا قلم (الشقي) فقد تمادى                وقد أعيا الكرام الكاتبينا
و(إريانيكم) لا تسمعوه                      فقُدما كان قاضينا الأمينا 
وتلك قصائد الشعراء منهم                  وتلك مؤلفات الناثرينا  [ص 64].
في إشارة إلى ما كتبه قضاة بيت الإرياني منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى سقوط المملكة المتوكلية، من شعر وتقريض ونثر في مدح الأئمة.

أترك تعليقاً

التعليقات