الثورة في منحاها الاجتماعي
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

"لو كانت الدنيا بيدي لأطعمتها للجياع" (عبد القادر الجيلي - الكيلاني).
يخبرنا أبو حيان التوحيدي في كتابه "البصائر والذخائر" أن رجلاً يدعى ابن سيابة شكا من الفقر فقالوا له: احمد ربك الذي رزقك الإسلام والعافية، فقال: نعم ولكن بينهما جوع يقرقر الكبد (نقلاً عن هادي العلوي في كتابه "المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة").
بالرغم من إعجاب الإمام الخميني بأبي ذر الغفاري وموقفه الاجتماعي من الأغنياء، إلاّ أنه لم يجذِّر ثورته السياسية في إيران بثورة اجتماعية، فتلك مرحلة كان يفترض على مسار الثورة أن تنجزها بعده، فالثورة الإيرانية بخصوص الملكية واكتناز الأموال لم تنجز تحولات موازية لثورتها الوطنية السياسية وخطابها التحرري في مواجهة الغرب والصهيونية، ولم تستفد من الإرث الفكري للإمام جعفر الصادق الذي قال: "ما جُمعت عشرون ألف درهم من حلال"، بحسب ما يرويه هادي العلوي في كتابه آنف الذكر، نقلاً عن كتاب "تحف العقول" لابن شعبة الحراني.
لقد وصل الأمر ببعض المثقفين أن اعتبروا أن انهيار أمريكا انهيار للعالم، وهكذا يصبح -بحسب هادي العلوي في كتابه آنف الذكر- "العدو الأوحد لتسعين في المئة من مثقفينا هو الإسلام (السياسي)، وهذه لاحقة للتمويه، فالعدو هو الإسلام نفسه: تاريخه الحضاري وتراثه العظيم ومنجزاته العالمية التي مهدت بالتكامل مع منجزات الحضارة الصينية لولادة العصر الحديث، واتجه المتحالفون مع الأنظمة وأولياء نعمتها الغربيين إلى الكتابة عن الإسلام على طريقة الأدب الصهيوني" (ص46).
الوطن على النقيض من كل انتماء وهويات ضيقة، طائفية ومذهبية وجهوية، فالوطن وهذه الانتماءات في تناقض وجودي، وتنازع على السيادة. الهويات الضيقة تدميرية، والوطن بناء جامع، وهوية حياة. الوطن سلام، والهويات الضيقة ولادة للحروب.
إن طبيعة الثورات والانتفاضات الشعبية أنها نتيجة صراع اجتماعي، وهويتها تستمد من المطالب الشعبية الاجتماعية.
"لقد جاء الشعب الإيراني برجال الدين الوطنيين إلى السلطة في واحدة من أحرج الهنيهات في التاريخ، قضى فيها على آخر امبراطور في قائمة ملوك الفرس المستبدين. وكانت وعود القيادة الخمينية تجمع التحرر الوطني إلى إنقاذ الجماهير من ورطات الفقر وتحريرها من قمع الدولة" (هادي العلوي، المرجع السابق، ص165). لكن إيران مازالت بحاجة إلى جرأة ثورية في إحداث تحولات اجتماعية موازية لمجدها السياسي الذي أنجزته في مواجهة أمريكا وإسرائيل.

أترك تعليقاً

التعليقات

عبدالرزاق
  • الأثنين , 26 أغـسـطـس , 2019 الساعة 6:56:15 AM

نشتي نعيش، مصطلح ليس حربًا ناعمة، هي رغبة جامحة في أن نحيا بحب وود دون ظلم أو كراهية أو انقسام مجتمعي أو طبقية أو أي نظرة تعالي للجميع الحق في أن يحيا بكرامة، والكرامة هنا ليست مرهونة لأي جهاز أمني أو هيئة محلية أو دولية.