محمد ناجي أحمد

الهوية اليمنية تركيب مزجي من العروبة والإسلام يستحيل فصلهما، ويمكن أن نسميها (الهوية الإيمانية) التي تتكون من النزوع الدائم للحرية والكرامة والسيادة والعروبة والعقيدة.
هذا ما يميز الوطنية اليمنية الفاعلة والمتصدية للغزاة عبر التاريخ. لهذا لم ينخدع اليمنيون باستخدام الاستعمار الروماني وأدواته في المنطقة -التي كانت وقتها الحبشة ومصر- للدين المسيحي، والتبشير به كأداة تساعدهم على استعمار اليمن في القرن السادس الميلادي.
لقد واجه اليمنيون ذلك الاختراق التبشيري الاستعماري الذي انطلق من نجران كأداة من أدوات الاستعمار الروماني والحبشي، واجهوه ببطولة جسدتها أسطورة موت (ذو نواس) في البحر وهو على فرسه، وأسطورة سيف بن ذي يزن وتحوله إلى بطل متخيل في الذاكرة الشعبية المجسدة في الحكايات المروية والمتراكمة عبر التاريخ كإبداع يعكس رغبات وهموم الشعوب بالانعتاق من الغازي.
يوصف اليمني كبقية أهل المشرق بالعربي، وهو الوصف المتداول في مواجهة الغازي التركي الذي رفع شعار الإسلام وسيلة لتحقيق تمدده السلطاني. في حين أن المغرب العربي كان وصف المسلم هو المتداول في مواجهة الغازي الصليبي الإسباني والبرتغالي والاستعمار الفرنسي، على أساس أن الهوية في مواجهة الآخر تعمل على تغليب الصفة التي يستدعيها الخصم كنقيض له.
يرى المناضل جار الله عمر في كتابه (كفاح الإنسان في سبيل الديمقراطية) الصادر عام 2014م، عن منتدى جار الله عمر، أن نصارى نجران (لم يقتلوا بسبب عقيدتهم الدينية قط، بل لأنهم جعلوا أنفسهم بوعي أو بدون وعي جسوراً محلية لعبور الاستعمار الروماني إلى اليمن في جلباب مسيحي، من ناحية أخرى فإن تلك الواقعة تفضي بنا إلى استنتاج هام آخر، وهو أن كراهية اليمنيين للنفوذ الأجنبي كانت صفة ملازمة
لوجودهم التاريخي، وجزءاً من تكوينهم الاجتماعي والنفسي منذ القدم، مهما كان ذلك النفوذ، ومهما كانت شعاراته ووسائله، حتى وإن حمل معه كتب التوراة والإنجيل مترجمة إلى لغة حمير) [ص75].
أضفى اليمنيون بعداً خيالياً على الكفاح المعادي للاستعمار كما يقول جار الله عمر (هو أن الخيال الشعبي أضفى على الكفاح المعادي للاستعمار طابعاً أسطورياً من خلال الروايات المتعلقة بالملك الحميري ذو نواس وزعيم المقاومة سيف بن ذي يزن) [ص75].
بحسب جار الله عمر، فإن الهادوية لم تستطع أن تتوسع وتتوطن في اليمن إلاَّ بعد أن تمكنت من (إقناع اليمنيين بهويتها المحلية، وقطع صلاتها بمراكز التوجيه الفكري والسياسي خارج اليمن) [ص84].
 ساعدت الطبيعة الجغرافية لليمن -بحسب جار الله عمر- بجبالها وسهولها على أن تكون عوناً للمواطن اليمني في كفاحه ضد المحتلين، وستبقى كذلك برغم قسوتها سوراً منيعاً يحمي إلى جانب أبناء الشعب استقلال الوطن وسيادته.
يتدفق الأفق الثوري لجار الله عمر في حديثه عن الثورة الإيرانية، فيصفها بأنها (رافد من روافد التراث الحضاري المرموق الذي ما برح نهره يتدفق حتى اليوم، ونشهد أمام أعيننا آخر موجاته تكتسح امبراطوراً متغطرساً ومغروراً في إيران، وتقف كما ينبغي للمسلم الحقيقي أن يفعل ضد الامبريالية والرجعية، متحدة مع الشعب بصورة عضوية، وليس هذا الذي نشهده في إيران من مواقف صلبة ضد الطغيان والاستعمار، ومع الحرية سوى امتداد حي ومتطور لكفاح المناضلين الأوائل من أجل الحرية واستلهاما لتراثها العقلاني).

موقع لاء الأخباري / محمد ناجي أحمد

أترك تعليقاً

التعليقات