تنمية واستثمار الخرافة
 

محمد ناجي أحمد

في منشور كتبه رئيس التجمع اليمني للإصلاح، في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وصف (أنصار الله) بأنهم يسعون إلى (تفكيك عرى المواطنة الحقة بتغول الوجه القبيح لعنصرية العهر الطبقي)، قاصداً بذلك اتهام (أنصار الله) بالاستعلاء والتميز العرقي، فـ(العهر الطبقي) ليس ذلك التفاوت الاجتماعي المبني على نهب الثروات ومراكمة المال السياسي، واحتكار قطاعات التعليم والاتصالات والنفط والأسماك.. إلخ، واقتطاع المليارات من ميزانية الدولة للمعاهد العلمية كمدارس تابعة للإخوان المسلمين في اليمن، وبمنهج وهابي، من أجل المواجهة الفكرية مع مدارس (الاشتراكية العلمية) التي تأسست في الجنوب في عهد التشطير، واستمرت مدارس الإخوان طيلة عقد التسعينيات بعد الوحدة كرافد لإعداد الكوادر للجماعة، وميزانية باسم ألوية عسكرية وهمية... كل ذلك ليس عهراً طبقياً، فاتساع الفوارق الطبقية في المجتمع طيلة عقدي الثمانينيات والتسعينيات، والتحالف بين الإسلام السياسي، والقبيلة السياسية والعسكر وممثلي الصناعات التعليبية للاستئثار بالسلطة والثروة، ليس (عهراً طبقياً) في وعي (محمد عبد الله اليدومي)، (العهر الطبقي) في وعيه وذاكرته هو ذلك الفارق الاجتماعي المعنوي والمسافة التي كانت موجودة بين والده (حاكم المقام) عبد الله اليدومي، وبين مقام الإمام أحمد يحيى حميد الدين، وهي مسافة ظلت مسيطرة على الأب حتى بعد قيام الضباط الأحرار بثورة 26 سبتمبر 1962م، وانحياز الأب إلى صفوف الملكيين والسعودية في محاربة الثورة!
وحين تم لهم إفراغ الثورة من جوهرها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بتحول النظام إلى جمهورية المشيخ، في 5 نوفمبر 1967م، عندها أصبحت الجمهورية كلافتة مفرغة من محتواها هي مظلتهم، بل أصبحت قوى المشيخ جزءاً من بنيتهم التجمعية، وهم جزء من تحالف النظام النوفمبري بجناحه المهيمن (القبيلة السياسية)، فحين بدأ الخلاف مع الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني، عام 1970م، أعلن تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة عبد المجيد الزنداني، وقوفهم مع السعودية وقوى المشيخ، خاصة بعد أن تمت إزاحة مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن (الطليعة العربية الإسلامية)، عام 1969م، في حادث انقلاب مدبر للسيارة التي كان يستقلها، في نقيل سمارة. فإزاحتهم لشخصية ذات قدرات قيادية في الوعي والحركة، ومستقلة عن السعودية، ولها انتماؤها العروبي الذي تأثرت به من أستاذها قاسم غالب، وزير التربية والتعليم في عهد السلال، والذي كان إسلامياً في قناعاته، وناصرياً في ولائه لمصر عبد الناصر، فمن اهتمامه بعبده محمد المخلافي عينه مديراً لمكتب التربية بتعز، وسلمه المركز الإسلامي بتعز، الذي أسسه، إضافة إلى تحيزات المخلافي الاجتماعية المنتمية للفلاحين والعمال، ومشاركته في المقاومة الوطنية، ولأن هذه السمات على النقيض من اشتراطات السعودية في احتواء حركة الإخوان المسلمين في اليمن، فلقد كان الشيخ (عبد الله بن حسين الأحمر) حريصاً على عدم وجود شخصية كارزمية في صفوف التيار الإسلامي.
ضمن هذه الشروط السعودية المحتوية للإخوان المسلمين في اليمن فكراً وحركة، كانت قيادة وكيل جهاز الأمن الوطني (محمد عبد الله اليدومي) للتجمع اليمني للإصلاح، تأكيداً على استمرارية دعم الكيان السعودي لمواقف ورؤى الإخوان المسلمين في اليمن، خاصة وأن رعاية السعودية لجهاز الأمن الوطني ومهامه واضحة في طبيعة ومهام وتمويل هذا الجهاز.
على ذات النهج الذي سار عليه (عبد المجيد الزنداني) ومشائخ الوهابية في اليمن، في وصف اليساريين والقوميين بالخروج من الدين، وتحويل المساجد إلى خمارات ومراقص، يزعم اليدومي أن (أنصار الله) (حولت ما تبقى من مساجد المسلمين إلى مراقص ومتكآت للترفيه ومقصورات للتعذيب والتنكيل لكل يمني لايمجد المجوس). الصراع كما يراه (اليدومي) هو مع (المجوس)، وهو ما تروجه السعودية في عدوانها على اليمن على أنه صراع ضد (الفرس، المجوس، الرافضة).. يتهم (اليدومي) من يسميهم (الحوثة) بأنهم (كهنة الخرافة وسدنة الخزعبلات وطلاسم الشعوذة وطقوس الزار والدجل)، وهو بهذه التوصيفات لايقول مجرد كلام عابر، لكنه يعكس التربية العقدية التي تم من خلالها تعبئة كوادر تجمع الإصلاح بأن (الحوثيين) يسحرون الناس ويسيطرون عليهم بـ(الطلاسم والشخاطط والأوراق والسحر) من خلال الأكل والشرب والتعامل معهم، فلا تخالطوهم! وفي أناشيد وزوامل الإصلاح ما يعكس بجلاء هذا الاعتقاد، إضافة إلى تكريس وصفهم بـ(المجوس، والرافضة، والفرس) في فضائياتهم وصحفهم ومواقعهم الإلكترونية!

أترك تعليقاً

التعليقات