الثورية وتسوياتها 2-2
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا -

إن المثقف لا يكون فاعلاً وعضوياً إلاَّ من خلال التحامه بالنضال السياسي. فبحسب "دوبريه" فإن "كتابة "رأس المال" لم تمنع ماركس من أن يكون مناضلاً سياسياً، ومن أن ينظم "الأممية الأولى" يوماً بعد يوم. والنظر بازدراء إلى الالتزام السياسي، من ذروة لا أدري أية مرتفعات، هو ما يسمى "التفيقه البرجوازي" في لغة السياسة، و"السفسطة المنافقة" في لغة الأخلاق، بل هو آخر الأمر خيانة" (ص173). فالرصاصة الإمبريالية والرجعية بحسب "دوبريه" لا تفرق بين الشاعر وقاطع قصب السكر إذا وقفا معاً في خندق واحد. فكل ما يعيق المثقف عن الالتزام الشخصي بتاريخ عصره، هذا التاريخ الذي تصنعه الطلائع المنظمة –المناضلة مع كل العاملين كتفاً إلى كتف– يضيق مدى تماسه مع الحياة، ويوهي من طاقته المبدعة، "وإذا لم تكن هناك مهمة أكثر إنسانية وأكثر ثورية من مهام القيام -هنا ومنذ الآن- ببناء أخلاق سلوكية وحياة يومية... أخلاق وحياة لا يعود فيها متخصصون، بعضهم يحترفون الفكر وبعضهم يحترفون العمل السياسي، بعضهم مثقفون وبعضهم مناضلون، فإن ذلك لعديم الإنتاج بقدر ما هو مدعاة للسخرية أن تضفي القدسية اليوم على ما نريد غداً تحطيمه (ص174).
فالاستعاضة بـ"الثرثرة الثورية" عن "النظرية الثورية" خطر كبير على كل حركة ثورية، بل ومؤشر إلى انتكاستها. 
التاريخ يكرر نفسه مرتين وعديد مرات، لكن ذلك لا يقتضي مواجهة مآسيه وملاهيه بالأطروحات ذاتها، "فمن الصحيح دون ريب أنه يوجد أو يمكن أن يوجد بعض التماثل في اللغة الثورية، على صعيد استعمال الصيغ وتكرارها"، ولكن الصيغ تظل على حالها بينما التحديات والتكتيكات والأساليب والاستراتيجيات تصبح أكثر تعقيداً وتغيراً. ومع أنه ينبغي أن يعاد النظر في هذا الجهد على ضوء ظروف البلدان المتخلفة اليوم، فوراء هذا التكرار يكمن خطر نشوء لغة من طراز أخلاق تزعم الحلول في مكان لغة المعرفة الحقة، اللغة العلمية. 
لن يقضي على الإمبريالية بحسب "دوبريه" أن نتحدث عنها بالسوء، أو أن نلحق كلمة "الامبريالية" بكل ما نشأ من نعوت، بل المطلوب هو أن نضع الآن نظرية للإمبريالية الأمريكية الشمالية، أن نعرف العناصر التي تتألف منها، والأساليب التي تعبر عن نفسها (ص180). المطلوب هو معرفة وزنها الاقتصادي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا واليابان والصين، معرفة وزنها في الاقتصاد العالمي، ومعرفة استراتيجياتها وتكتيكاتها. فميزة الإمبريالية هو تفوقها في معرفة قوى الثورة المقاومة لها، ولهذا اتخذت قرارها في مواجهة كل أشكل المقاومة والثورة، ضدها وضد الصهيونية العالمية، تحت مسمى "محاربة الإرهاب" و"الضربات الوقائية" من هنا نجدها تضع هدفها في تفكيك المنطقة العربية، من كل جامع وطني وعربي، واستمرارها في محاولاتها بإسقاط النظام في إيران وفنزويلا، والتغلغل في آسيا الوسطى، وكل بلد خارج سيطرتها، ويعيق أهدافها الاستراتيجية في توسيع دوائر هيمنتها. 

أترك تعليقاً

التعليقات