لماذا ستفشل «المقاومة الشعبية»؟!
 

محمد ناجي أحمد

كل مقاومة ناجحة تنطلق وراء هدف رئيسي وطني، ولا تعمل على مزاحمته بأهداف متناقضة، والقارئ في المشهد اليمني يجد أن هناك أهدافاً ما دون وطنية مذهبياً وعرقياً وجغرافياً، مع غياب للجامع الوطني الذي يعمل على تكثيف الجهود ومراكمتها للوصول إلى تحقيقه.
يمكن متابعة مسارها في الجوف ومأرب والبيضاء وعدن وتعز...
التناقضات التي تظهر على السطح بين أهم مكونين للمقاومة في تعز، وهما: الناصريون والإصلاحيون، وعلاقة «المطابنة «والمنّ المتبادل بينهما بسبب طبيعة القرب من السعودية والامارات في تحريك هذه التناقضات، كل ذلك الذي نلحظه من صفحة توكل كرمان ونشطاء الإصلاح وهم ينتصرون لتنظيمهم «التجمع اليمني للإصلاح» مذكرين بفضائله على «المقاومة الشعبية» تأسيساً وتضحية، إلى قول الناصريين بأن أمينهم العام قام بدور فاعل في تسويق وتطبيع العلاقة بين «الإصلاح» ودول الجوار، وأهمية دوره في الحياة السياسية اليمنية كل تلك التناقضات مع غياب للقيادة الموحدة التي تتولى جميع مهمات التحضير والتخطيط للمقاومة، وتحديد مجالات تحركها وعملها وأهدافها الاستراتيجية والمرحلية، وغياب التوعية بهذه الأهداف، وعدم كسب أغلبية الناس معها، مع غياب الحراك الجماهيري الذي يترجم عملية المقاومة من عدم تعاون وقطيعة مع السلطة السياسية التي انتزعت الحكم فيما بعد 21سبتمبر 2014م تحت مسمى «الشرعية الثورية» ومع ذلك فاوضت ضمن سقف التسويات، ووقعت مع القوى السياسية الأخرى «وثيقة السلم والشراكة» وتطالب بتسوية جديدة على أساس صناعة القرار التوافقي،  لكن الملاحظ هو العكس تماماً فمكونات المقاومة يستلم أفرادها رواتبهم من تلك السلطة التي يصفونها بالغير شرعية والانقلابية! بل ويحرص إعلامها على الحديث عن حرص الرئيس «الشرعي» عبد ربه منصور هادي على عدم سقوط وفشل مؤسسات الدولة، وأنه من أمر محافظ أو مدير البنك المركزي بالعودة من حضرموت إلى صنعاء كي لا تتضخم العملة اليمنية ويحدث انهيار للدولة يحرص جميع الأطراف على التمسك بها والحفاظ عليها، وهذا يعطي دلالة واضحة على أن الصراع بين الأطراف المعنية سقفه بقاء الدولة بفلسفتها الاجتماعية وتوجهها الاقتصادي، وأن الصراع داخل منظومة الحكم المتصارعة هو حول تسوية جديدة تعيد تقسيم السلطة ونسب المحاصصة فيها بين الأطراف... أي أن هذا التناقض لن يؤدي إلى إحداث تغييرات جوهرية في السلطة والبنية الاجتماعية والتوجهات الاقتصادية، فشكل النظام السياسي هو الذي يجب أن يحدث فيه التسوية فقط لا غير!
يبدو لي أن الدكتور رشاد العليمي قد سوّق الناصريين في السعودية ونجح في تطبيع العلاقة بينهما، والموقف السلبي للإمارات تجاه «تجمع الإصلاح» في اليمن كونهم فرعاً لتنظيم الإخوان المسلمين قد جعل الناصريين أحد الخيارات القريبة من دولة الإمارات، كل ذلك إضافة إلى حضور ملموس لأمين عام الناصري داخل المقاومة، ونجاح في الخارج الإقليمي قد جعل التناقضات بين الإصلاح والناصري تشتد وتنتقل إلى السطح بعد كل انكسار أو هزيمة هنا أو هناك في جبهات «المقاومة الشعبية»، بل وبعد كل نجاح نسبي لها، فالتخوين والاتهام باحتكار وتكديس السلاح والمال واضح في صفحات التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائط المعلوماتية...
إضافة إلى عدم وجود رموز في حركة «المقاومة الشعبية «تمتلك القدرة على التأثير الخطابي والحشد التعبوي لهدف وطني واضح للتغيير الإيجابي، فرموز المقاومة في تعز من حمود سعيد، وأبو العباس، وصادق سرحان، وعدنان الحمادي وبن جامل ويوسف الشراجي إلخ، وعيهم وقدراتهم الخطابية وأهدافهم الضيقة التي يعلنونها، وغياب الكفاءة في الحركة والفكر يجعلهم من أسباب الفشل لا النجاح!
تتضح هشاشة التماسك بين مكونات «المقاومة الشعبية «عند تعرضها لهزيمة هنا أو هناك، ويتم معالجة هذا الانكسار من خلال طيران التحالف السعودي ،ومن ضمنها طائرات (الأباتشي وإف 16) وتدخل بري مباشر، لكن تلك الهزائم في جبهات المقاومة تترك أثرها في ظهور الاتهامات المتبادلة بين مكوناتها وغياب روح التضامن والشراكة في النصر أو الهزيمة ،والظهور كجزر متفرقة بل وعصبويات متناحرة تحاول أن تؤجل تناقضاتها لكنها سرعان ما تطفو على السطح مع كل انكسار!
يدخل التجمع اليمني للإصلاح في «المقاومة الشعبية» وفي ذهنه الاستعداد لاستحقاقات العملية السياسية القادمة ،والتي ستبنى على أسس من تسوية جديدة، لهذا يحيّد جل كوادره التحتية والوسطية وقياداته العليا من مباشرة العمل القتالي مكتفياً برموز تابعة له تسيطر على مفاصل «المقاومة الشعبية» وتحديداً في المدينة!
الخطاب الإعلامي والتوعوي «للمقاومة الشعبية» ما دون وطني، يتركز على شحن مذهبي ضد «الروافض والشيعة والمجوس وإيران والفرس» كمترادفات لعدوهم الذي يطلقون عليه «الحوثيين» و»الحوثي» فالزوامل والأناشيد والبرامج في فضائياتهم مثل سهيل ويمن شباب وصنعاء وعدن واليمن.. إلخ، مع استثناء نسبي لخطاب قناة بلقيس - ونشراتهم المقروءة تدور حول تلك الدلالات مع تكريس مناطقي واضح لا يؤدي سوى إلى النزيف الاجتماعي! بالمقابل تجد الخطاب الإعلامي والتعبوي لتحالف أنصار الله / صالح، المسموع والمقروء والمشاهد يتمحور حول حشد الطاقات ضد العدوان «السعودي / الأمريكي» ووصف المقاومة بـ»المقاولة، وعملاء الداخل» مع حرص على تضمين أناشيدهم وزواملهم بالدلالات الوطنية والعربية والاسلامية، وبالدلالات التحررية اليسارية والقومية والوطنية، حتى أن وسائلهم الإعلامية تعكس هذا التنوع وبكادر ينتمي لهذه التيارات!
سلطة «الشرعية» في عدن يديرها رأسان متنافسان، هما عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته «خالد بحاح « كانعكاس للتنافس السعودي / الإماراتي! في حين أن الطرف الذي يمثل تحالف أنصار الله / صالح يحددان هدفهما بمواجهة ما أسموه          بـ»العدوان السعودي / الأمريكي وعملائهم في الداخل» ويؤجلان تناقضاتهما إلى ما بعد تحقيق هدفهم بإيقاف العدوان والجلوس إلى طاولة تسوية جديدة أطرافها الرئيسية هم: المؤتمر الشعبي العام، وأنصار الله، والتجمع اليمني للإصلاح، والحراك الجنوبي...
القياس بين المقاومة الوطنية «في الستسينيات، وأنها نظمت القتلة وقطاع الطرق وشذاذ الآفاق وحولتهم إلى قوى ثورية، وبمشروع وقضية وطنية واجتماعية وبين ما سمي بالمقاومة الشعبية في عام 2015م قياس مغلوط وتجاهل للفارق! فالمقاومة في الستينيات كان على رأسها حركة القوميين العرب ثم بعد انقسامها: الناصريون والحزب الديمقراطي الثوري! وفي عام 2015م على رأس المقاومة المضادة:عبد المجيد الزنداني وحمود سعيد وصادق سرحان، ومشيخ رجعي في مأرب والبيضاء وشبوة، وبن حبتور والميسري في عدن وأبين!
في الستينات نجد الراعي المصري كداعم للثورة وللمقاومة الوطنية يدعم ضمن التزاماته العروبية التحررية والوحدوية، وبقيادة قومية مثلها الزعيم جمال عبد الناصر كقائد من أهم قادة حركة التحرر في العالم، بينما المقاومة المضادة في اليمن عام 2015م، على رأسها وفي مقدمتها مملكة آل سعود، التي كان ذهبها وسلاحها ومرتزقتها رأس حربة للمصالح الغربية في الستينيات، وهي اليوم الوكيل لمصالح الغرب في المنطقة، وصواريخها، وصناديق أسلحتها، وأموالها تتساقط من السماء والبر والبحر، ولكن ليس ُرطباً، وإنما صناعة للموت، يقدم نفسه بطريقة هزلية محرراً لشعوب المنطقة! وهو يعمّد ويكرس عبوديتها لعقود قادمة!
*هامش توضيحي: الذي اختار اسم «المقاومة الشعبية « كان توفيقياً وتلفيقياً في آنٍ!
توفيقيته حين جمع بين «المقاومة الوطنية «والجيش الشعبي» اللذين تشكلا للدفاع عن ثورة سبتمبر في ستينيات القرن العشرين، فأخذ المضاف من الأولى، والمضاف إليه من الثانية، مع إضافة التاء المربوطة لمناسبة التأنيث... وكان تلفيقياً لأنه جمع بين المتناقضات، فالجيش الشعبي الذي كان على رأسه قوى المشيخ كان حريصاً بل ومتحمساً لتصفية « المقاومة الوطنية» التي كان أغلبها الناصريون واليساريون، ولقد نجح في ذلك طيلة سنوات 68-70م، بعدها وجدت مملكة الكيان السعودي نفسها وقد امتلكت خيوط اللعبة السياسية في اليمن فقامت بتسويتها عام 70م بين الملكيين والجمهوريين...
ليس غريباً أنها مملكة التسويات السياسية في اليمن دون منازع!

أترك تعليقاً

التعليقات