سرحة العـرب!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تظهر لكل متابع، في متغيرات الواقع بهذا التسارع المتتابع، معطيات غريبة تبدو في ظاهرها عجيبة، وتخفي في باطنها أموراً مريبة تطرح تساؤلات وجيهة: ما سر مضي الكيان الصهيوني بثقة وأريحية في مخطط "إسرائيل الكبرى"؟!
الظاهر جلياً وعلناً مضي الكيان الصهيوني، بدعم من تحالف الشر العالمي "الانجلو-صهيوني" وتواطؤ أنظمة عربية، في حرق مراحل مخطط إقامة ما يسمى "دولة إسرائيل الكبرى: من النيل إلى الفرات، ومن البحر إلى الخليج".
عملياً: بدأ الكيان المحتل بالفعل استكمال مخطط "إسرائيل الكبرى"؛ السيطرة على الضفة الغربية، استكمال احتلال غزة بالكامل، اجتياح جنوب لبنان، احتلال الجولان وجنوب سورية... كلها تجاهر بهذا الخطر الداهم.
نظرياً: يفترض أن يكون هذا التحرك، المدعوم علناً من "المسيحيين الصهاينة" و"الصهاينة العرب"، هو الصدمة التي تعيد للأمة العربية والإسلامية وعيها، وتوقظها من غيبوبتها، فتنهي تيهها، وتبعاً تخاذل أنظمتها الخانعة.
صحيح أن الكيان الصهيوني، ورغم هذا التحول الكبير في تحركاته واتخاذها الطابع العلني والمتسارع، لن يجرؤ على احتلال كل الأراضي العربية التي يطمع فيها، دفعة واحدة، بل سيقضمها -كالعادة- واحدة تلو أخرى.
لكن فعلياً، أنظمة عربية وإسلامية تمهد لهذا المصير، وتُعِين رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، على تنفيذ إعلانه الأربعاء الماضي، أنه "في مهمة نيابة عن الشعب اليهودي، وهي إقامة دولة إسرائيل الكبرى".
نعم، معظم الأنظمة العربية والإسلامية تفعل، بتواطئها مع تصعيد الكيان الصهيوني في قطاع غزة وجنوب لبنان وسورية، وبتأييدها نزع سلاح المقاومة في قطاع غزة وجنوب لبنان، ودعمها تطبيع "نظام أحمد الشرع" في سورية.
سياسياً أيضاً، تتعمد هذه الأنظمة التمسك بموقفها المعتاد: الشجب والاستنكار والإدانة والمطالبة والدعوة إلى "إقرار حل الدولتين"، حتى بعد إعلان الكيان الصهيوني مجدداً بلسان رئيس حكومته نتنياهو "رفض إقامة دولة فلسطينية".
لكن أبرز الأنظمة العربية في المنطقة (مصر والأردن ولبنان وسورية والسعودية والإمارات والبحرين) والإسلامية (تركيا)؛ تواصل، علناً لا سراً، مهادنة الكيان الصهيوني، وتوسيع العلاقات والتعاون الاقتصادي (استثمارياً وتجارياً).
هذا ما تؤكده الإحصاءات المعلنة! تفيد بتنامي التبادل التجاري بين هذه الأنظمة والكيان الصهيوني، وبواقع "2264 رحلة شحن بحري منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 15 أغسطس 2025"، حسب مواقع الملاحة البحرية.
الأدهى أن هذه الرحلات لا تقتصر على شحنات فواكه وخضروات وصناعات غذائية ودوائية وكيماوية وزيوت نباتية ومعادن وغاز ونفط وملابس وأقمشة ومعدات إلكترونية وأجهزة كهربائية، بل تشمل شحنات سلاح أيضاً!
هذا يجعل السؤال الأهم: ما الذي يجري في الغرف الخلفية؟! مواقف الأنظمة العربية والإسلامية، بما فيها المستهدفة أراضيها بالاحتلال الصهيوني لاستكمال "إسرائيل الكبرى"، دون المفترض وأقل من المتوقع حتى في حده الأدنى!
وفقاً للخريطة المعتمدة من الكيان الصهيوني، والمثبتة في فئة إحدى عملاته، وفي زي جنوده، فإن ما يُسمى "إسرائيل الكبرى" يشمل كل لبنان وسورية والأردن، ونصف مصر والسعودية والعراق، وكامل الكويت، وجنوب تركيا.
هذا الموقف الفاتر لهذه الدول من إعلان رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، مضيه في تأدية مهمته: "إقامة إسرائيل الكبرى"، هل يعني أنه حصل قبل إعلانه على ضوء أخضر من حكام هذه الأنظمة العربية وتركيا؟!
لا يستطيع المتابع استبعاد هذا؛ فمجريات الأحداث تسير بهذا الاتجاه، ولا تقابلها على مستوى الحكومات العربية سوى مواقف خطابية هزيلة ومكرورة باتت أشبه بالمحفوظات المدرسية، منذ إيقاف العرب الحرب مع الكيان "الإسرائيلي".
هل يعقل أن يكون هذا المسار هو التفسير غير المعلن لموقف هذه الأنظمة العربية المتخاذل حيال العدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية، أن هناك صفقة تجاوزت التفريط بفلسطين إلى أراضي هذه الدول؟!
وحدها مستجدات الأحداث كفيلة بتأكيد هذا أو نفيه. الأيام المقبلة حبلى بمفاجآت كبرى ستكون حاسمة لحاضر ومستقبل المنطقة، ومصير الأنظمة والأمة العربية باتجاه التحرر والعِزّة والسيادة الكاملة أو التقهقر والذِلّة والإبادة التامة.

أترك تعليقاً

التعليقات