القابيليون اليوم وضحاياهم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قد تدفعك بعض الأصوات النشاز، والأقلام الطافحة بالحقد والكبر والغرور والغلظة المحسوبة على المسيرة والثورة للحكم على النهج والمشروع وكل ما يتداخل ضمنهما من مبادئ وقيم وأهداف، فتقول في سرك وعلانيتك: إن كان هذا النهج الرسالي، والمشروع الثوري يعجز عن بناء شخصيات إعلامية وثقافية تعبر عن عظمة النهج، وتؤكد سلامة الثورة من العاهات البنيوية، وتعكس مدى التزامها باتباع رسل الله، والموالاة لأوليائه في ساحة الكلمة؛ فكيف سيكون الحال في بقية ساحات وميادين الحياة؟ أو يكون محمدياً مَن لم ينعكس عليه سمو الخلق، ولين الجانب، والمحبة للناس، واستيعابهم والرحمة بهم، والتحمل لزلاتهم؟ أو يكون علوياً مَن يندفع كالأسد لصد كل مخالف له في الفكرة والوجهة؟
وعندك حق في ذلك؛ لكن ليسوا هؤلاء هم التجلي لتربية المسيرة، ولا هم الانعكاس للمشروع الثوري، بل هم نتاج بنيتهم الفكرية المريضة، فالمسيرة والثورة لهما رجالهما، وهؤلاء الرجال لا تتشكل نواة وجودهم في الميدان بقرار أو مرسوم حكومي، ولا تتحدد مهامهم وأدوارهم على أساس المواقع والبنى التنظيمية، ولا يأخذون مشروعيتهم من خلال ما لديهم من علاقات وصلات ونفوذ وتأثيرات ومكانة وسلطة داخل مجتمعهم، وإنما تكون حركتهم العملية تجسيداً لأثر الإيمان في نفوسهم، وإثباتاً لمدى اجتهادهم في الوصول إلى مستوى الكمال الإيماني، الظاهر في كل عمل صالح يعملونه، وبذلك يكونون هم صفوة المجتمع، وطليعة البناء والتغيير فيه، وخلص الموفين بعهد الله، وأمانته في عباده وبلاده، يعرفهم الناس من خلال: الأفكار السليمة التي يثيرونها، والأخلاق العالية التي يمتازون بها، والسلوكيات المتزنة التي تنطبع بها كل تصرفاتهم وأعمالهم.
وهكذا يتخذون مواقعهم كصفوة وطليعة جهادية ثورية واعية نهضوية، بعيداً عن تزكية فلان أو علان، وبمعزلٍ عن تقييم وتفنيد الغرف السرية، وتأثير السلطات واتجاهات رجال الدين أو السياسة، لأن كل تلك الأمور لا تخلو من التهويمات والشطط والبعد عن الحقيقة، لكونهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه بفعل اشتغالهم على صلاح باطنهم وظاهرهم، وكفى بذلك دليلاً على إثبات أنهم أهلٌ لتلك المهام والأدوار التي يطلعون بها، ويكفيهم شرفاً أنهم: لم يكونوا يوماً صداً لأصوات وأفكار الآخرين، ولا حركةً مضبوطة بدقات وعزف إيقاعي قام بها نافذون، أو استهوت القيام بها غالبية جماهيرية، أو هيئة أو تنظيم حزبي، أو تيار سياسي، وإنما كان مرجعهم، وضابط حركتهم، ومصدر قوتهم، ومنطلق قولهم هو: الله، بما يجدونه في كتابه من تعاليم وتوجيهات ونواهٍ وأحكام وسنن وقوانين وتشريعات ومبادئ ونظم ومعايير وأخلاقيات.
إن الأقلام والأصوات التي تدعي الانتماء للثورة والمسيرة كذباً يمكن كشفها، حينما لا تكون أبرز مهامها وخصائصها: التصدي للطغيان والفساد، ومواجهة الانحرافات، وتعزيز الوعي الشعبي في كل المجالات، والسعي لأجل تحقيق العدالة، والعمل على منع الظلم، وإزاحة ورفع وتجفيف وإنهاء كل ما يتقاطع مع الكرامة الآدمية.
إن القلم أو اللسان المنتمي لهذا النهج والمسار يؤكد انتماءه من خلال عمله، كما بين ذلك الشهيد الصماد؛ إذ قال: أنت في مقام العمل لله ستقدم شهادة من خلال عملك، فإما أن تكون شاهداً لله، وإما أن تكون شاهداً للباطل، لأن هذه المرحلة هي المرحلة الوحيدة والأخيرة من زاوية ما ستتركه من أثر في الوجدان العام، فإذا أحسن المعنيون استغلالها ضمنوا العزة والفلاح للمسلمين والمستضعفين، وإذا قصروا كانوا هم القاتل لآخر أملٍ احتفت به الأمة واعتبرته سبيل الخلاص من كل المعاناة والقهر والاستلاب، فلن يثقوا بعدها بدين ولا بمصلح اجتماعي.
وعلينا ألا ننسى؛ أنه في صف الحق ثمة بنيتان ونفسيتان: قابيليون وهابيليون. والطرفان يقدمان قرابينهما، وعلى كل فرد من المنتمين أن يحذر من السقوط في وحل الخيبة التي سقط بها قابيل قبله، إذ لم يتقبل الله قربانه، لكونه كان من الذين يكتفون بالشكل الخارجي، والعنوان العام الذي به يتحدد له الانتماء، فلم يعش المراقبة لله في حياته، ولم يكف عن الاعتداء والإيذاء للناس في حركته وسلوكه ويده ولسانه. فلنفتش عن علامات المتقين، فنسير بسيرتهم، ولنعرف سمات وخصائص القابيليين، لكيلا نصير امتداداً لهم، مع الوعي والإدراك لطبيعة الحسد والكبر الذي يجعل صاحبه مستعداً للقتل، ولكن ليس بالضرورة أن يكون قتلاً للنفس؛ فقابيل اليوم يقتل فكرة، ويقتل قضية، ويقتل كرامة إنسان، ويقتل حركة توعوية، ويقتل جهود وآمال وتطلعات وأحلام وموارد وإمكانات، ويقتل كل محاولة جادة لإحداث تغيير حقيقي.

أترك تعليقاً

التعليقات