يوم صبي .. يوميات الجمهورية
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
ليس بإمكان أحد أن يتخيل كيف كان اليمن قبل 1962 . وهو العام الذي توج حركات وانقلابات. ومن واتته الظروف فعاش هذه أو تلك المراحل والأحداث، فإنه حتماً سيصاب بغير قليل من الخيبة، وسينتابه يأس وقنوط فهذا الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية لا يعدو كونه بلدا يعيش في أساطير هي على وجه التحقيق أساطير من الكوابيس السود المهولة شعب يقتاته الجوع والتيفوس والملاريا والجدري وشيء آخر له مسمى غير الطاعون الذي يزود المقابر بعشرات الضحايا صباح مساء . وليس بالإمكان أن يتصور أحد أن تستضيف هذه القبور ضحايا يموتون بفعل رائحة الخبز الذي يخرج دخانه من أفواه التناوير .
اصطبلات كثير من سيوف الإسلام يشق سكونها صهيل الخيل وغرف توقظ حناجرها غيد تجمع هيفاء مقبلة عجزاء مديرة لا يشتكى قصر منها ولا طول وإمام يرى قوافل جنائز الموت تزور المقابر فلا يجد ما يقول غير عزاء للشعب الذي إن عاش فعمره مديد ، وإن مات فحكمه شهید وشوالات الـ ماريا تريزا تعج بها الغرف المظلمة لتصبح وتمسي يرهقها سيوف الإسلام ويطبطب عليها عجوز لا يحسن حتى عد ما فيها من ريالات ذات رنين يسوس شعبه بالجهل المقيت ويداوي مرضه بالخوف المميت، حتى إذا ما ظن أحد مصطفيه على من يحب من أولاده وأقاربه مصاباً بداء قاتل أخذه بعد مناشدة للإمام المبارك ليعلق على رقبته تعويذة جلدية ذات ريحة كريهة خيرات كثير وزروع ذات بهجة، غير أنها قطاف مخمن غشوم شعاره بعض هذا لجلالته، وجميع هذا لي اليمانون ينعمون بجوع ومخافة وإمام، كان الحمار لمن يملكه وسيلة سفر بين القرى المزدانة بالأمية الكتيبة، وربما كان أحد هذه الحمير يركب عليه أشعث أغبر يبحث عن فقيه يفك الخط الرسالة وردت من خارج «السديم»!
أما المدارس ففرق مزدحمة بالظلام والبق والقمل وربما الأفاعي والعقارب والسل وخدوش الأمراض الجلدية رئيسها ... ففي الكتاب الذي يستمد سلطانه من مقولة والذي يطمع أن يتخرج ابنه ليفك الخط . وقد وصى الفقيه أن يرجع ابنه إليه عظما من غير لحم ، دليل جد واجتهاد ومعرفة بقدر العلماء والعلماء.
يغدو الطالب في الصباح البارد القر يخفي في بطنه جوعاً أغبر وقرص شعير ملفوف بأحياء الحشرات يقاته عصرا بعد أن يفرغ الفقيه من جلد الذين يعوزهم الذكاء فلا يجيدون قراءة الفاتحة التي هي أم الكتاب، حتى إذا ما أظلم الليل عاد هذا الطالب يئن من كابوس حقيقي هو الجوع وانتظار ممل لمن يرسله العامل لجمع حق بيت المال. فلا يرى هذا الابن غير بيت شاحب يتربص به عسكري كوجه عزرائيل وأب وأم أرهق وجهيهما بكاء مرير وقهر لا يجدان دمعا . فجاء وأشرق يوم صبي

أترك تعليقاً

التعليقات