ارتهان
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
قليل جداً هم الذين يعلمون أن الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، المعروف باليمن، لم يكن مجرد براميل بارود ومخازن رصاص ومدافع وطائرات جاهزة للاشتغال، وإنما كان فعلاً مُشعلاً ذاق اليمن واليمنيون مراراته، بل موتهم وجراحاتهم ومضاعفاتها النفسية. ولم يكن الفاصل بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي وحسب براميل صدئة مذحلة متآكلة، وإنما كانت براميل أيديولوجيا (بائتة) وفكر رجعي (بائد) ولكل طرف «شواعة» وأنصار مسنودون بالذهب والفضة وإذاعة للبث الخارجي موشحة بأناشيد تمثل قرباناً بين يدي محاجم دم متخثر وسائل يسفك بسيوف الأشقاء الأعداء.
أبنائي وبناتي اليمنيين، أعرف كما لا تعرفون أنتم ولا كثير من آبائكم وأجدادكم أن وحدة اليمن لم تكن رفع علم على سارية في «معاشيق»، ولا مجرد كراسي يصطف عليها متبطلون في مقهى «زكو» في كريتر ولا فنادق يشمخ بنيانها الأثرياء القادمون من الشمال، ولا حرية وحركة تنعم بها عربات البطاطا وبوفيهات الشاي والليم، وبدو أبين والحواشب وكورس المخادر وثقافة محمد علي هيثم ووحدوية عمر الجاوي وشجى فضل محمد اللحجي ومقامات الحسيني وفيصل علوي...
أيها الأبناء والبنات من اليمنيين، إن وحدة اليمن التي تحققت في 22 مايو 90 هي أرشيف من الإرادة المسربلة بالنضال والفداء واطراح الأنانية وقلابات ملأى بالجثث المدفونة في رمال سجون زنجبار والعلمين... إن تاريخ اليمن، بصفحاته البيض والحمر والسود، الأكثر نصاعة والأشد قتامة، ينضح بأمجاد الثورات التي استعصت على الفناء والاندثار والتفرق ودهاليز أمن الدولة وغياهب الأمن الوطني!
في القرآن الكريم هدى وموعظة للمتقين، وقصص القرآن تلهم الآخرين السير على صراط مستقيم دون اعوجاج.
ولا أمت (طلوع ونزول)، وبهذا يكون القرآن الكريم -في جانب منه- أرشيف أحداث قصد الله منه سيرة المنافقين جنباً إلى جنب مع سيرة الأنبياء والمراسلين وعباد الله الصالحين.
وإذا كان لأحد أن يسأل إذا كان الله قد قص بعضاً من سير المنافقين في عهد النبي حين نزول القرآن الكريم ونبأنا الله من أخبارهم صوتاً وصورة، فمن أين نعرف منافقي العصر؟! والجواب: من خلال سيرهم المعاصرة، من خلال الأرشيف الذي نطلب إلى جهات الاختصاص أن يفتحوا صفحاته للباحثين.
ولا بأس أن نذكر، إحقاقاً للحق، أن الوحدة اليمنية شارك في إنجازها كل اليمنيين، جمهوريين وملكيين، تقدميين ورجعيين، عملاء ووطنيين... والمطلوب ليس تتبع العثرات، فلسنا نريد أن نقوم بدور الملائكة، وإنما نريد أن نقوم بدور الخبير الزراعي الذي يفحص التربة لينقيها من الحشرات الضارة ويقرر ما يناسبها من الأسمدة النافعة المفيدة.
أرشيف الأمن فيما كانا يسميان بالشطرين لا بد أن يفتح بشكل واقعي ومهني وفق منهج بحث أكاديمي واضح يفيد شباباً لم يفهم من الوحدة إلا «زبط» براميل «الشريجة» وفتح بساتين الحسيني للمتنزهين وشواطئ أبين للعشاق.
فتح أرشيف الوحدة وفق منهج موضوعي ضرورة في عيد الوحدة حماية للوحدة التي تكالبت عليها السكاكين.
حتى الآن لم يدفع اليمنيون ثمن هذا الإنجاز الخطير والعظيم والرائد، فالأعداء يطمعون أن ندفع الثمن، وهو الانفصال. بدأ هؤلاء الأعداء يخططون للفُرقة في زمن عبدالعزيز بن سعود، ولم ينتهِ أيام زايد بن سلطان، الذي أبدى أن يكون للجنوبيين دولتهم، حين رد عبدالله الأحمر مفحماً: للقبيلة أنك ضيف أحكام وشروط، ولولا أنك ضيف لكان الجواب!
دفعت السعودية والإمارات ألوف الملايين لدمار الوحدة، وما استطاعوا حتى الآن رغم تنوع الأساليب، قديمة وحديثة، ورغم ذلك فإنا نذكر بالمناضلين الذين قامت على أكتافهم دولة الوحدة، نذكرهم أحياءً وأمواتاً، فكثير من أسر هؤلاء المجاهدين معدمون فقراء نسيهم الذين قتلوهم والذين استغلوهم، وبعض نماذج هؤلاء إبراهيم الحمدي وسالم ربيّع علي وعبدالفتاح إسماعيل وعبدالله الحجري ومحمد علي عثمان وعمر الجاوي.
ولا ينكر أحد أن كثيراً من انتهازيي الوحدة هم الذين ينعمون بما أنجزته الوحدة اليمنية من خيرات تكاد تكون مطلقة!
لا عزاء لأسر الوحدويين، شمالاً وجنوباً وفي المنافي.
على الأقل حسبنا وحسبهم أبناء الوحدويين أن نفتقدهم في مناسبة الوحدة وأعيادها، كي لا يكون هذا اليوم حسرة في صدور الأبناء والبنات.
وكلمة ليست الأخيرة: كان من أخطاء بعض الوحدويين المراهقين من الجنوب موضوع التأميم، الذي أفاد منه الانتهازيون، فحولوا ما أمم لمصالحهم الشخصية في الجنوب، كما أفادوا من تأميم ممتلكات الإمامة فنهبوا شمالاً وجنوباً، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

أترك تعليقاً

التعليقات