فيتامين رجولي..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / #لا_ميديا -
 
في أحد الأيام العجيبة من عام 1938م، عقد الحزب الشيوعي السوفييتي مؤتمراً محلياً بالقرب من مدينة موسكو، وبعد انتهاء المؤتمر أطلقت دعوة لتحية زعيم الاتحاد السوفييتي آنذاك الغاضب دائماً «جوزيف ستالين»، انتفض الحضور على الفور وراحوا يصفقون بحرارة.
صفقوا وصفقوا وصفقوا.. مرت دقيقة، دقيقتان.. خمس دقائق!
ستالين سريع الغضب، ولا أحد يمتلك الشجاعة الكافية ليكون أول من يتوقف، ظل الجميع واقفين بثبات مستمرين في التصفيق، كأنهم تماثيل متطورة تمت برمجتها على التصفيق لآلهة إغريقية غريبة في معبد مخيف.
استمر هذا المنظر السخيف لمدة 11 دقيقة، حتى قرر أحد الحضور، وهو مدير مصنع الورق، أن يضع حداً للأمر، وجلس على كرسيه، ثم تبعه الآخرون وجلسوا يتفقدون أيديهم التي تورمت من شدة الارتطام وسرعته العالية.
الطريف أن «ستالين» لم يكن حاضراً في المؤتمر، ورغم ذلك تم القبض على الرجل الذي أنهى نوبة التصفيق المسعورة، وضحى بنفسه من أجل الآخرين، وقضى 10 سنوات في واحد من أشرس السجون إزاء جريمته الشنيعة.
بعد الإفراج عنه قال إن التحقيق الرسمي انتهى معه بهذه العبارة «إياك أن تكون أول شخص يتوقف عن التصفيق في روسيا السوفييتية».
لهذه الدرجة كان «ستالين» يرى نفسه عظيماً وجديراً بالعبادة، ولو عادت إليه الحياة ورأى حالي لمات مرة أخرى من الضحك، فقد قدمت في الجامعة بحثاً بعد أشهر من الإعداد والتجهيز، وفي الأخير صفق لي طالبان لمدة أربعة أجزاء من الثانية، وعدت إلى مكاني مبتسماً دون أن أسجن أحداً الحديث عن التصفيق يضعنا أمام مواقف طريفة لا حصر لها، لكن أكثرها طرافة وإثارة للسخرية هو ذلك الموقف الذي حدث في مملكة البُلَهاء السعودية، شاهدت الفيديو قبل عامين وقد جعلني أضحك وأضحك وأضحك حتى دمعت عيناي من شدة الهستيريا.
اللواء ظافر الشهري، قائد المنطقة الشمالية الغربية تبوك، يلقي كلمة عادية في حفل تكريم آباء القتلى الذين كانوا أحياء قبل اعتدائهم على اليمنيين، ولسوء حظه كان يعتلي المنصة مرتدياً الثوب والبشت والعقال.
فجأة وهو يتحدث ويهتز بحماس انحنى والتقط من الأرض عِقالاً ليس له، ظناً منه أنه عِقاله وقد سقط بسبب الهزات الحماسية، ثم انتصب بسرعة ووضع العقال الضائع فوق عقاله.. وهنا انفجر الحضور بالتصفيق والتهليل إجلالاً للأحمق أبو عِقالَين، بينما كان الواقفون بجانبه يبتسمون على استحياء.
قام أحدهم وهو محرج جداً بنزع العقال الزائد، إلا أن الشهري استرده على الفور بتصميم شديد وأعاده إلى رأسه، فانفجر الحضور بالتصفيق والتهليل مرة أخرى وبشكل أقوى وأكثر حماساً، كأنه قدم لهم اختراعاً علمياً لا سابق له.
لن تدرك كمية الكوميديا في الموضوع إلا إذا شاهدت الفيديو بنفسك، صدقني ستقذف همومك وأحزانك بعيداً بضحكة طويلة جداً.
أنا شخصياً مقتنع تماماً أنه لا حاجة لعادل إمام وسعيد صالح بوجود هذه البلاهة السعودية الفريدة من نوعها، فبدلاً من تنزيل مسرحية «شاهد ماشفش حاجة» أو «مدرسة المشاغبين»، يكفي أن تشاهد أي حفل خطابي يتم إقامته في المملكة لتضحك حد البكاء بملء شدقيك.
ما أجمل فيتامين الفكاهة الذي تحتوي عليه الكبسة، فلولاه لما تمكن الفنان الكوميدي «سلمان بن عبدالعزيز» من إضحاكنا ورسم الابتسامة على وجوهنا في خطاب «الاستخراء» الشهير.
قالوا إن اليد الواحدة لا تصفق، واستناداً على هذه الحكمة العظيمة أدعو الله تعالى أن يجعل كلَّ مصفقٍ ساذجٍ معاقاً بيد واحدة، لأنه ببساطة لا يستحق يده الأخرى.
أستطيع أن أحكي لك ألف موقف مضحك عن المصفقين، لكنني لا أحبذ الإطالة في الكلام، فقط أود تذكيرك بشيء مهم، وهو أن ثقافة التصفيق موجودة في كل دول العالم باستثناء الجمهورية اليمنية.
في موطن الأحرار، يختم الشخص خطابه ليصرخ الثوار بشعار المسيرة القرآنية كتحية إيمانية رجولية، بدلاً عن تلك التحية الغبية المليئة بالعبودية لأشباه «ستالين».
الشهيد الصماد عليه السلام، حين أخبر شعبه بأنه لا يمتلك منزلاً يؤوي أطفاله بعد موته، لم يحظَ بتصفيقة واحدة كتحية لنظافته وإيمانه منقطع النظير، لكنه سمع صرخة مدوية غمرته بالسعادة والفخر والاعتزاز، وعندما بحَّ صوت السيد القائد في منتصف خطابه المباشر بمناسبة ذكرى ميلاد النبي، قال للحاضرين مبتسماً: ارفعوا الشعار نرتاح شوية. فارتفعت الصرخة إلى السماء لاعنةً أمريكا وإسرائيل والكافرين من أهل الكِتاب.
هل لدى العالم فيتامين رجولي كهذا؟

أترك تعليقاً

التعليقات