سرقة بالإكراه..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم يحيى / لا ميديا -
مازلت أتذكر أيام دراستي الصف الأول الابتدائي، كانت أياماً عصيبة حُرمت فيها من الطمأنينة وتجرعت كل أنواع التوتر والغضب والاضطراب.
طبعاً هذه الذكريات السيئة ليس لها علاقة بمستواي الدراسي، فأنا لم أدخل المدرسة إلا وقد أجدت القراءة بفضل الله ثم بفضل والدتي أبقاها الله تاجاً على رأسي، ولكنها -أي تلك الذكريات- بسبب رئيس فصلنا آنذاك.
كان لا يرى من المشاغبين إلا أنا، ولم يكن يمر يوم دون أن يتسبب لي بالمتاعب...
 برغم أنني بريء براءة الذئب من دم يوسف.
ناهيك عن رئيس الفصل، إذا مشيت في حوش مدرستنا الحكومية وفي يدك ساندويتش أو عشرون ريالاً، فحتماً سوف تتعرض للسرقة بالإكراه من قبل أطفال آخرين.
برغم كل هذه الصعوبات، فقد تمكنت بحمد الله من إتمام دراسة الصف الأول بتفوق وضمن الأوائل، وبكل بساطة انتهت السنة دون أي احتفال أو تصفيق أو تعبير عن الفرحة.
هكذا كانت الأمور عادية وعقلانية جداً، حتى في المدارس الأهلية لم نكن نرى المبالغة التي نراها اليوم.
أما هذه الأيام فحدث ولا حرج، أصبحت المدارس الأهلية تقيم حفلات تخرج كبرى لأطفال تخرجوا من التمهيدي، لم يدرسوا الابتدائية حتى!
هذا الجنون لا داعي له، ولا فائدة منه يا جماعة الخير، بل على العكس لا نلمس منه إلا السلبيات الكثيرة.
بالله عليكم.. هل من العقل أن تُلبس طفلاً عمره خمس سنوات “بالطو تخرج”؟ بينما الحقيقة أنه لم يستهل حياته الدراسية بعد، وماتزال في انتظاره عشرات السنين من طلب العلم والدراسة والكد والتعب.
هذا الطفل الصغير تخرج من أين بالضبط؟
وبعيداً عن هذا.. جميعنا نعلم أن معظم الآباء يعانون مشاكل مادية لا تنتهي، وحالتهم يُرثى لها، لكنهم بالكاد يدفعون التكاليف الدراسية لأبنائهم في مدارس أهلية.
هذا الأب لا يستطيع أن يدفع تكاليف حفل لا داعي له، وفي المقابل حين يرى الطفل زملاءه وأصدقاءه يحتفلون ويبتهجون بدونه فإنه يشعر بالحزن، فتدخل بينهم الحساسيات والحسد والبغضاء ومشاعر سلبية لم تكن موجودة أصلاً.
حتى إن الطفل يشعر بالنقص، وينظر إلى والده بنظرة عجز واستصغار، ويتناسى أن أباه يعمل ويكد ويتعب ويحرم نفسه من كل شيء ليوفر له لقمة العيش، وليدرسه في مدرسة أهلية.
هذا ما نستفيده من حفلات تخرج الأطفال، زرع المشاحنات بين الزملاء، وتكوين نظرات سلبية عند بعض الأطفال تجاه آبائهم، وهذا ليس من التعليم والتربية في شيء.
والنتيجة النهائية.. أن الطفل الذي احتفل بتخرجه تعلم الأنانية والكبر واستفزاز زملائه، والذي لم يحتفل تعلم الحسد والبغضاء والكره للآخرين.
بينما يفترض بالمدرسة أن تعلم الأطفال قيم التآخي والإيثار والتعاون، وحب الخير للآخرين.
نتمنى أن يتحلى مدراء هذه المدارس بالعقل، وأن يكون هناك ضبط لهذه الأمور من قبل وزارة التربية والتعليم ومكاتبها.
وأنا سأظل مقتنعاً بأنه لا داعي للاحتفال إلا بعد التخرج من الجامعة.

أترك تعليقاً

التعليقات