عكـس القطيع..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم يحيى / لا ميديا -
إن من أقدس وأنبل ما قد يفعله المرء، هو الشذوذ عن الجماعة المخطئة باختيار الصواب الذي لا يروق لها.
ذلك أنه شذوذ يتطلب الشجاعة، والأهم أنه يتطلب قناعة تامة وإيماناً راسخاً بصوابية الموقف المتخذ، فمن هذا الإيمان يكتسب الشخص مناعة قوية ضد المثبطين والمثرثرين والساخرين والهازئين.
كل الشعوب والمجتمعات تعاني من بعض العادات المرضية الخاطئة، ونحن اليمنيين كغيرنا لدينا عادات وتقاليد غير سليمة وبعيدة كل البعد عن الصواب.
لكي لا أطيل فحديثي هنا عن واحدة فقط من العادات التي نتمسك بها رغم اعوجاجها، وعن شخص بادر بتركها ومخالفة مجتمعه، بل استبدالها بعمل عظيم وراقٍ.
أتحدث عن إقامة ولائم الغداء الهائلة والمكلفة في الأعراس، صدقوني لا أجد سبباً واحداً يدعو للتمسك بهذه العادة التي نعتبرها من أساسيات حفل الزفاف، وبدونها فالعرس ليس عرساً كما يقول بعض السفهاء.
طبعاً لا أقصد الإساءة بهذا اللفظ، فلم أكتب «سفهاء» إلا بعد أن بحثت في المعجم وتأكدت أن السفيه هو من يبذر ماله في ما لا ينبغي، إضافة إلى قوله تعالى: «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم...».
هل ينبغي أن ينفق العريس مئات الآلاف في إطعام أناس متيسرين ليسوا بحاجة طعامه؟
هل ينبغي أن نثقل كاهل العريس المسكين بإقامة وليمة غداء لا ضرورة لها؟
لو كان الضيوف من الفقراء الذين لا يجدون قوتاً فلا بأس، لكنهم جميعاً من الأقرباء والجيران والأصدقاء الذين باستطاعتهم أن يأكلوا في بيوتهم، والمشكلة أن تكلفة وليمة الغداء لوحدها تفوق تكلفة عدة أشياء مجتمعة من متطلبات الزفاف.
إذا فكر أحدهم بالزواج فإنه يصاب بالحيرة..
هل يحمل هم الخطوبة والمهر والشرط، أم يحمل هم الصالة والمنشد والزينة والماء، أم يحمل هم تجهيز شقة أو غرفة متواضعة تؤويه وعروسه؟
وبعد هذا كله يحمل هم وليمة الغداء وإطعام مئات البطون التي يفترض أن تساعده وتخفف عليه هموم الزواج!
العجيب أن الكثير يحرصون على إقامة وليمة غداء عرمرمية رغم ضعف حالتهم المادية، وغرضهم من تحمل هذه المشقة هو التفاخر والتباهي أمام الناس فقط لا غير، وما أسوأه من تفاخر.
هذه العادة سيئة ولا فائدة منها.. لذلك أدعو الجميع للاستلهام من تجربة صديقي العريس «زيد عبدالله الشريف» الذي بادر بتركها وتحويلها إلى عمل عظيم يرضي الله تعالى، إذ جمع تكاليف وليمة الغداء وبعض مراسيم زفافه حتى أصبح المبلغ «مليون ريال»، وتبرع به كاملاً لصالح المقاومة الفلسطينية.
قال لا داعي للتبذير بالمال والطعام، وبدلاً من ذلك سأقف مع إخوتي الفلسطينيين وأساندهم، سأكون شريكاً في صناعة النصر الحتمي على الكيان الصهيوني المجرم، سأستجيب للتوجيهات الإلهية بالإنفاق في سبيل الله، وسألبي دعوة قائد الثورة لدعم المقاومة الفلسطينية الباسلة.
لن أتبع القطيع، ولا تهمني أبداً نظرة مجتمعي أو قبيلتي التي اعتادت على إقامة الولائم في الأعراس، ولا أكترث لنيل رضا أحد، المهم أن يرضى الله وحده لا سواه.
هذا هو الوعي الذي يخيف أعداء الأمة ويغيظهم حد الموت، وهذه هي الأعمال التي تستحق أن نجعلها عادات وتقاليد تتوارثها أجيالنا.
يا أيها العرسان الأعزاء، من ليس لديه مال فلا ضرورة للغداء وغيره من طقوس الزفاف المكلفة، ومن أغدق عليه الله بالرزق الوافر فليبادر لمثل هذه الخطوات.
ومن نعم الله تعالى أن جعل أبواب نيل رضاه كثيرة، فيمكن إنفاق تلك المبالغ للفقراء والمساكين، أو تقديم القوافل لجبهات العزة والكرامة، أو دعم القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير، أو دعم المقاومة الفلسطينية.. الخ.
إذا كانت الوليمة ستبيِّض وجهك أمام الناس، فإن هذه الأعمال تبيِّض الوجه أمام رب الناس وإله كل مألوه، وببركتها يكون الزواج مباركاً هنيئاً مدى العمر بإذن الله.

أترك تعليقاً

التعليقات