كيف نكون محمديين؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
مدرسة الرسول (ص) هي المدرسة التربوية التي تربي أتباعها على أساس تعميق الدوافع بضرورة فعل كل ما يلزم من أجل تغيير ذلك الواقع، بحيث تصير تلك الدوافع جزءاً أصيلاً في بنية الذات، الأمر الذي سيوجد الروحية السباقة والمبادرة لتحمل المسؤولية، ومن واقع الإحساس العالي بأهمية تحملها، إحساسٌ عنوانه الصدق في التوجه للقيام بأداء الواجب في مختلف ميادين وساحات الحياة والأحياء، وذلك بإشاعة الخير بكل معانيه فكراً وسلوكاً ودعوةً والتزاماً، مع العمل على تعزيز وجود المعروف القائم على أساس الحق والعدل المنضبط بضابط الشريعة، والشارح لمقتضى الإيمان، بحيث تصبح الخطوات متركزةً على إزالة كل معالم المنكر، بكل تمظهراته السلبية، من فساد وبغي وظلم واستبداد، عبرت جميعها عن ثقافة الباطل ورموزه، واللذين لا سبيل للقضاء عليهما إلا عن طريق تشكل الأمة الواحدة، التي تجتمع تحت راية الولاء لله ورسوله والمؤمنين، وتعيش علاقة القرب من بعضها البعض على أساسٍ من الأخوة الإيمانية، التي تستوجب على كل فرد مرتبطٍ مع غيره من الأفراد بروابطها التفاعل الإيجابي، بناءً على ما تمتلئ به القلوب من مشاعر المحبة والألفة، الدافعة أبداً نحو الرعاية الدائمة، والنصرة في كل الظروف، كما يشترك في هذه المهمة الرجال والنساء، حيث إن لكلٍ دوره الذي تمليه عليه المسؤولية، والتي ليست سوى انعكاس لمدى تمثل الوعي بالرسول والرسالة، وتعبير حي عن الإحساس العرفاني بهما كنعمة امتن الله بها عليهم جميعاً.
ولن نكون محمديين ما لم نعمل على إقامة الحق والعدل، كهدف لا رجعة فيه، ولا محيد عنه، ولا تساهل في تطبيقه وتعميمه على الحياة كلها، وإنْ واجه المجتمع ما واجه من الصعوبات والمشاق التي ستعترض طريقه وهو يسير باتجاه ذلك الهدف الإيماني المقدس، الذي هو عنوان برنامج كل الرسل والرسالات الإلهية، بل هو هدف إرسال الرسل على مر التاريخ، منذ آدم حتى خاتم أنبياء الله ورسله محمد صلوات الله عليهم جميعاً، إذ لن تتم عملية بناء حقيقية ومتكاملة للفرد والمجتمع، وبالشكل الذي يحقق النهضة والرقي والتطور لكل مجالات الحياة وبمختلف تفاصيلها ومفرداتها، إلا بتحقق هذا الهدف، الذي لا بد أن يتم إدخاله في سنخ الجوهر الإنساني لدى العاملين والثوار، بحيث يصير تحركهم ذا أثر إيجابي نوعي، بحيث يصبح ميدان عملهم مليئاً بالمظاهر الموحية بعظمة وأهمية تحركهم، فلا عقبات تحول بينهم وبين هدفهم، ولا صعوبات تجعلهم يستسلمون للأعذار والتبريرات الموحية بالعجز والاسترخاء والتراجع والنكوص على الأعقاب.
علينا السعي للتطلع الدائم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، باعتباره القدوة التي يجب التأسي بها، والقيمة المعبرة عن كمال الشخصية الإنسانية والإيمانية التي لا بد من اقتفاء أثرها من خلال البحث والدراسة لكل مراحل حياته، بهدف التخلق بأخلاقه، والاقتباس من نوره الأخاذ والشامل، وجعل ذلك كله منهجاً معتمداً في جميع المجالات التربوية والعملية والعلمية والثقافية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية، الأمر الذي سيجعل العاملين في سبيل الله، على درجةٍ عاليةٍ من الوعي والإدراك لأهمية البقاء مع الناس مهما علت مكانتهم، واختلفت مواقعهم، وتنوعت أدوارهم، إذ إن همهم في كل ما يقولون ويفعلون هو: كيفية الوصول إلى المرحلة التي تؤهلهم لكي يكونوا الرساليين بكل ما تعنيه الكلمة، والذي لن يبلغوه إلا عندما يبلغ مستوى تأثرهم برسول الله الحد الذي يصبحون فيه منسجمين مع رسالته، ومبادرين للاتصاف بصفاته كلها، بدءًا من اتحادهم النفسي بمجتمعهم، وجعل كل ما يعانيه ذلك المجتمع نصب أعينهم، والمحور الذي تقوم عليه حركتهم، بحيث تصبح كل أعمالهم منصبة على التخفيف من تلك المعاناة والآلام، التي يعز عليهم ما يلاقيه مجتمعهم إزاءها من مشقةٍ وعذاب، وصولاً إلى النقطة التي تريك مدى ما بلغوه من الاهتمام بالناس والحرص على إيجاد كل ما بوسعهم، بغرض التحقيق لراحتهم وسعادتهم كعنوان عام تقوم عليه الدوافع التي توجه حركتهم العملية، وتمنحهم الحضور الفعال في كل الساحات، ومختلف القضايا الصغيرة والكبيرة، لأن نظرتهم إلى الناس هي نظرة محبةٍ قوامها الرأفةُ بهم، والرحمةُ لهم، والإحسان إليهم، ولا قيمة لأي مقام أو منصب بالنسبة لهم، ما لم يكن عاملاً على تركيز الوجود الكلي للرسالة في المجتمع، وجعلها هي العنوان لحركته، والأصل الباعث على تحقيق كل العوامل الموجدة لقوته وعزته وتقدمه وحريته واستقلاله، وتعزيز شعوره بضرورة توحده من أجل النهوض بمهمته في الحياة، كي يتسنى له التوصل لأهدافه على مستوى الوجود الدنيوي، أو المصير الأبدي بعد القيامة.

أترك تعليقاً

التعليقات