دمعة رجاء في محراب الثورة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثورة الشعب، يا أصل الحرية، ومنبع الاستقلال: لست غريبة عنا، فلقد قرأك كل حر حرفاً حرفاً، واستوعبك كلمةً كلمةً، ووعاك سطراً سطراً، مذ تلاك سيد البشارة خطاباً في أثر خطاب، ورفع صوته أذاناً من الله بدنو موعد قدومك حسين الجرف (رضوان الله عليه)، درساً درساً وملزمةً ملزمةً، إلى أن تكامل نضجك واشتد عودك بحذار حذار، وتم جمعك آيةً آية في صفحات وجوه المستضعفين، فتلتك الأعين باسم الله، من كل بقاع الدنيا، بدءاً من ساحات التواجد الثوري والاحتشاد الجماهيري، وصولاً لساحات الجهاد والعطاء صداً لكل قوى الاستكبار وفلول قوى الوصاية والاستبداد، والذي لا نزال نعيشه ونرى كل ما يتعلق به، حتى اليوم.
وعليه، أرجوك، لا تصدي عن المستضعفين كلما أرادوا لفت انتباهك تجاه خطر خروج جمر ماضي الوصاية من تحت الرماد وبدأت بمزاولة نشاطها في إحراق كل تطلعاتهم وآمالهم. ولا تنزعجي منهم عندما يمنحونك بعض الدفء الصادر من فرط غليان دمائهم السائرة بين مد وجزر في كل الشرايين والأوردة خشيةَ أن ينال منك جليد الاستهتار، أو تغمرك كثبان رمل اللامبالاة، فتصبحي كاللواتي سبقنك زمناً، وتصيري سهلة المنال لكل أركان قوى النفوذ والاستبداد التي لاتزال موجودة ولها أكثر من نشاط وأكثر من دور.
يا روحنا: إن حاضرنا الزمني وحالنا الإنساني والوطني المعبرين عن ثورة مجيدة، وإرادة صادقة لنيل الحرية وتحقيق الاستقلال، ورغبة في إحداث التغيير نحو الصلاح، يحتاجان لنوعية من العاملين المتصدرين لميادين المسؤولية، نوعية بلغت في مستوى وعيها للناهج والتزامها به الحد الذي إشار إليه الشهيد القائد رضوان الله عليه، بقوله في ما معناه: إن المؤمن الحقيقي هو ذلك الذي يعتبر كل عمل يقوم به، عملاً من الأعمال الواجب القيام بها لكونها جزءا من ما فرضه الله عليه من العبادات التي تحقق له القرب من الله وتضمن له الفوز والنجاة في الدارين. نحتاج لمَن يعي ما معنى أن أقول: أنا أتحرك في سبيل الله، ويعي ما حق هذه الكلمة على صعيد الانتماء والحركة والأداء العملي، فسبيل الله لا يقبل القسمة على اثنين؟ الله، والنفس، أبداً، ويرفض الاستئثار بشيء من فضول الحطام، ويرفض أصحاب النزعات المريضة، من كبر وطمع وعدوانية وطغيان وظلم وحب للذات وتواكل وانهزامية، والحرص على أن يأخذ قبل أن يعطي أو بعد ذلك مرفوضٌ لدى سبيل الله، لأنه عطاء دون انتظار للحظة الأخذ، وموسم للزراعة دون أن يحرص الزارع على الحصاد هو ليستفيد من ثمرة ما زرع، فهو يزرع وأجره على الله، وليكن الحصاد اليوم أو غداً، بيده أو بيد سواه، ليس مهما، المهم أنه باع من الله نفسه وماله، فلا يخل بعقد البيع والشراء بينه وبين ربه.
إننا نحتاج اليوم فقط لروحية عملية تستطيع الارتقاء بمستوى نشاطها إلى مستوى المنهاج الذي نحمله، ونتحدث عنه ونسرد مزاياه في كل مناسبة واحتفالية، وفي كل مرحلة زمنية.
وبما أن ثورتنا من الثورات ذات البعد الإسلامي الأصيل، والمحتكمة في جميع أوضاعها إلى منهج الله، فهي: تهدف في ما تسعى إليه إلى الهدم لكل مظاهر الجهل والتخلف والظلم والطغيان والاستغلال، بغرض البناء لمجتمع تكاملي متوازن ومتحد وعادل، فلا بد من العمل على تزكية النفوس وتطهيرها من كل تبعات الماضي، وذلك عن طريق تقديم المنهجية الصحيحة والواضحة للناس، بياناً وعملاً، وذلك بالدخول إلى كل الساحات المجتمعية كلمةً وموقفاً وحركةً والتزاماً، من قبل الطليعة الآخذة على عاتقها تحقيق هدف الثورة والنهوض بكل متطلبات استمراريتها وبقائها.
إن الثورة تفرض علينا الحفاظ على البيئة الملائمة للتحرك الشامل في ساحة التواجد المجتمعي كلها. بكلمة أدق: إن الواقع يفرض علينا إيجاد النظم الفكرية والعلمية والثقافية التي يتم من خلالها مخاطبة الناس جميعاً، ويتحقق بموجبها صقل المواهب واكتشاف القدرات، وتعزيز القابليات لدى كافة أبناء المجتمع، والتي متى ما توصلنا لمعرفتها وأحسنا التعامل معها بما يساعد على إنضاجها وتقويتها، استطعنا أن نضع أقدام مجتمعنا في بداية الطريق التي عليه أن يقطعها، في سبيل الوصول إلى النقطة التي يعني الوصول إليها: بلوغ المكانة الأسمى في مسيرة وجوده الكامل باكتمال نموه النفسي والمعنوي، والذي لا يمكن أن يصل إليه، إلا إذا سعينا بكل جد واهتمامٍ وصدق، إلى إقامة المجتمع التوحيدي، الذي لا مكان فيه للطبقية والانتهازية والاستغلال، وإنما الجميع عباد الله، وعبوديتهم لله سبحانه تفرض عليهم أن يكونوا أحراراً أمام كل البشر، كما تفرض عليهم الكفر بالطاغوت بكل أنواعه وأشكاله، والتمرد عليه ومحاربته، أياً كان منشأه ومصدره، وهذا هدف أساسي وعام في حركة جميع أنبياء الله ورسله عليهم السلام، وجميع السائرين على نهجهم في كل زمان ومكان، بل هي عنوان لحركتهم الشاملة في طريق التغيير والإصلاح، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.

أترك تعليقاً

التعليقات