لذلك سلموا من النكوص والتراجع
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في طريق الحق ليس السائرون على قلب رجل واحد كما كانت البدايات، فهناك مَن يقع أسيراً لهواه، بعد أن يقطع شوطاً طويلاً في ظل المعاناة التي يستوجبها السير على طريق ذات الشوكة، ولكن ما إن يبلغ القمة حتى يصاب بالدوار، ليبدأ عندها في الانحدار والسقوط شيئاً فشيئاً حتى يصبح في قعر الوحل والعدمية، إذ تملكه الغرور، واستحوذ عليه الاعتداد بنفسه، إلى الحد الذي جعله ينسى ربه، ويتنكر للفكرة التي كانت دافعاً لحركته، وقيمةً يصيغ على ضوئها مبادئه، وأساساً يلتزمها في سلوكياته، إذ تحل الأشياء من منصب وجاه ومال محل الفكرة والنهج، ليعمل بعد ذلك على تطويع النهج لخدمة وجوده ومركزه، ودوام سلطانه.
ولن يظل وحده بل سيجد في ما يطمح إليه أعواناً وداعمين كثرا، من علية القوم تجاراً وأصحاب رؤوس أموال، ونخبةً من الكهنة وعلماء السلاطين، وجيشاً من المهرجين والغوغاء والمنتفعين، وعباد المصالح والشهوات، فتسود لدى المجتمع ثقافة التبرير والتجهيل والتخدير، وتعم حالة اللامبالاة، ويصبح الهم في الخلاص متجهاً بالجميع إلى التخفف من كل ما اعتقدوه حقاً.
ولا بأس أن يبقوا على بعض المظاهر التي تذكرهم بإحساسهم الديني، كمحاربة الغناء والتدخين وغيرها من الأشياء التي لا تحدث تأثيراً على فساد الفاسدين الحقيقيين، من قضاة ومسؤولين، أو تحدث نهضة في الوعي العام.
وهكذا يصبح الحرص على توفير الكم الهائل من الأفكار التي هي صحيحة في جوهرها ومظهرها، ولكنها تُقدم للناس دونما تخطيط منهجي، أو دراسات الوضعيات الاجتماعية، وما الذي نحتاجه اليوم هنا وسنحتاجه غداً هناك، لكون الغاية لدى مثل هذا الصنف من وراء إثارة الأفكار والنقاشات، وكل الخطابات الرنانة، ليست البحث عن الحلول، وإنما التتويه والتعمية والتدجين، أو البحث عن مسكنات لا تنهي الألم من جذوره، ولكنها تلهي المريض عن الإحساس به وهو يزداد قوة وفتكا وضراوة بجسده دون أن يشعر.
ولتتضح المقاصد أكثر تعالوا لنطل على قواتنا المسلحة؛ لماذا أنجزت وتعثر غيرها؟
الجواب: لأن الروحية هنا مختلفة عن تلك الروحية الموجودة في بقية المؤسسات؛ وهي الروحية التي تنطلق على أساس إيماني، وتسير في عملها بالاعتماد على الله، لا تستسلم للعقل، ولا ترضخ لما عليه الواقع، لأنها تستند إلى مسبب الأسباب، وتتطلع إلى مَن بيده الأمر كله، كل ذلك في ظل عمل مستمر، وتخطيط دائم، ودراسة فاحصة لكل الواقع، وبحث مستمر عن كل ما هو إيجابي لتقويته وتنميته، وكل ما هو سلبي للقضاء عليه واستئصاله من طريقهم، بالإضافة إلى الذوبان في المشروع، والنسيان للذات في طريق السير مع الله، لذلك نسمعهم يقولون دوماً: هو الله.
مع تمثل الوعي والتزام البصيرة في كل توجه يتوجهونه أو درب يسيرون فيه، تاركين أمر المستقبل لله، وراضين بما تقتضيه إرادته، فهو صاحب الأمر كله، لذلك سلموا من التراجع والنكوص على الأعقاب بخلاف سواهم، فلم يحتاجوا للتبريرات التي لا تصدر إلا نتيجة التراجع المصحوب بالعمل التخريبي بكل معانيه.

أترك تعليقاً

التعليقات