في السير نحو الحقيقة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أشفق على حال مَن لزم القوالب الجاهزة، واعتمد المفاهيم المتوارثة، وآمن بكل العقائد السائدة، وظل يبني تصوره للدين والتاريخ والرسل والحضارات والمجتمعات والصراع بين الحق والباطل على ضوء ما وجده في تلك الأفكار المعلبة، وظن أنه بلغ شط النجاة، وأمسك بعنق الحقيقة، كل حقيقة! وصار بين الناس كأنه العبد الصالح، وهم موسى عليه السلام!
وللأسف إن حقيقة الدين والنبوة وكل ما تضمنه تاريخ الرسل والرسالة من صراعات وانقسامات وتبديل وتحوير وحذف وتحريف وتصدعات وانقلاب على الأعقاب؛ لم يعرفها أحد حتى الآن، سوى قلة، وهذه القلة لا تقوى على مصارحة المسلمين كأمة، بأنهم لا يزالون يقرؤون الرسول والرسالة في أسفار أموية مخزومية عباسية، وجدت فيها بيزنطة ضالتها للانتقام من الرسول والرسالة، وإعادة الاعتبار للثالوث بعد أن استطاعت الوحدانية إعادة بنيانها في النفوس والواقع.
نعم كان كتاب (الرحمن اللغز الأكبر) لنشوان دماج؛ والذي كان لنا عزيزي القارئ شرف السير في رحابه في ما سبق؛ هو المفتاح الذي يثبت لنا: أنه في تاريخ الرسول والرسالة؛ لا يمكن التسليم بمقولة: إن جزءا من النص مفقود؛ بل يجب القول: إن أكثر من النصف لهذا النص لا يزال مجهولا، ومغمورا وغائبا، وثمة إصرار وتوجه محموم على إخفائه، بل وطمسه، ومَن يفكر باستعادته؛ يجب التصدي له، ولكن هيهات منا الصحو، بعد أن ذقنا لذة المنام والغفلة!
الحقيقة لا تعطي قيادها لمَن أسلم عقله للطبري وابن كثير وابن سعد وابن هشام! الحقيقةُ هناك؛ كائنٌ لا يُروَّض، عصي على الفهم المتوارث، وكأنها امرأةٌ لا تُحِبُّ من يُعجَبُ بها، وإنما تعشق من يجرؤُ على النَّظرِ في عينيها دون أن يرتجِف.
لا يحب أكثرنا الحقيقة، لأننا لم نجسد برهان حبها، كون من أحبَّها، عليهِ أن يحرِقَ بيتَ أفكاره المعلبة، ويذر رَّمادها في وجوه وعيون مَن كذبوا عليه، وعلى الله قبل ذلك، وقدموها له كونها هي الحقيقة.
الحقيقة ليست في الأجوبة الجاهزة، وليست متاحة للكسول والجامد وعديم البصيرة، ومَن يريدها لا بد عليه معرفة؛ أنها لا تعطى؛ بل تُنْزَع كما يُنْزَعُ الجلدُ عن المعتقد الموروث، مَن أرادَها فليَنزِعْ حض الوهم من قلبه، ويَتعلَّمِ النُّطقَ بالأبجدية الرحمنية. إن علينا الاعتراف: بأن كل إجابةٍ جاهزة بابٌ مُغلقٌ في وجهِ السّائل الواعي ذي الفطرة السليمة، القابل للنضج والترقي في سلالم الكمال.
صحيح؛ إن الطريق إليها يجب شقه من قلب الظلمة، وهي لم ترشدك إليها بسهولة، ولن تضع لك خارطة كي لا تقع في حفر ومزالق الرواة والقصاصين، والمؤرخين، باختصار هي؛ ليست نور في آخرِ النَّفق، بل النّفقُ نفسُه. حين تَمشِيهِ بأقدام من نار.
وأخيراً، فإن كل يقينٍ لا يُبكيك، لا يستحقُّ أن تقيمَ فيه، وكل فكرةٍ لا تُخيفُك لا تَستحقُّ أن تصغي إليها، فقم واخرج من جلدِك القديم، فلن تدخل وادي الحقيقة المقدس إلا عارياً من كلّ معنى.

أترك تعليقاً

التعليقات