دفاعاً عن ضمير الثورة وحصنها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يكثر في الآونة الأخيرة الحديث عن القبيلة، باعتبارها مؤدى الحرية والاستقلال، ومبدأ الثورة ومنتهاها، وقوام كل انتصار على العدوان العربصهيوأمريكي منذ انبلاج الثورة، وصولاً إلى هذه اللحظة. وهي محاولة بقصد أو بدون قصد، لتحويل الثورة الشعبية في 21 أيلول 2014، إلى الثورة القبلية، واستعادة الأمور إلى ما قبل 21 أيلول؛ بحيث يصبح الشعب اليمني ملك القبيلة، وليس العكس؛ بحيث تكون القبيلة للشعب. يقول أحد الكتاب: «لقد شكلت القبيلة، عبر قرون طويلة، سياجاً متيناً في وجه محاولات الطامعين والغزاة، وحافظت على وحدة المجتمع، رغم التحديات والمتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد. ففي الوقت الذي سعت فيه قوى خارجية، وعلى رأسها المملكة السعودية، إلى اختراق النسيج الاجتماعي اليمني، عبر محاولات شراء الولاءات وتطويع بعض الأفراد، بقيت القبيلة اليمنية بوعيها المتجذر ترفض كل أشكال الارتهان للخارج، وتتبرأ من كل مرتزق أو عميل باع وطنه». حسناً؛ وإذن على مدى نصف قرن اعتمدت فيه السياسة السعوديةُ في التدخل في شؤون اليمن، كان على قبائل من الجن، وليس على مشايخ قبليين وشيوخ دين وضباط وسياسيين هم خلاصة ما أنجبته القبيلة، وأهم رموزها، ووجاهات مجتمعية وثقافية، هي التي حمتها!
هذه القبيلة التي يجهدون اليوم لرفع شأنها، هي أم البلاء، ولولا مشائخها لما استطاع السعودي فعل ما فعل، فبهم صالت سعود وجالت، بعد أن ملأت جيوبهم بالريالات الشهرية، وأدرجتهم في كشوفات لجنتها الخَاصَّة، ولم تكن حظوة هؤلاء لدى السعودية بسبب ترشيح مجتمعي لهم أو انطلاقاً من كفاءات ذاتية، بل كانت نتيجة صناعة المال لهم وتقديمهم كشخصيات قيادية ولكنها وهمية بوهم قوة المال وبريقه.
كل رموز القبيلة قد حظوا كمتسولين لدى هذه اللجنة الخَاصَّة بمخصصاتهم الشهرية، وتمتّعوا هم والمقربون جداً منهم بتلك المخصّصات، في الوقت الذي حرِم الكثير من قبائلهم من حقوقهم الطبيعية، فسكتوا عن ذلك، بل وأيدوه، فأنتج ذلك رهنَ القرار السيادي والسياسي والثقافي والإسلامي بيد السعودية التي طالما تصرفت على مختلف الأصعدة على النحو المعاكِس لما يريده اليمني البسيط، وبحكم ذكاء اليمنيين عرفوا أن المال الذي يتمتع به الزعيم المصنوع على عين السعودية ومالها هو ثمن انصياعهم وانقيادهم له، فأذهب الوقتُ كاريزمية هذه القيادات، وانحسر نفوذ الزعيم القبلي إلى حد كبير، وتوسع نفوذ الشيخ الوهابي في دائرة أوسع من دائرة الشيخ القبلي بحكم طبيعة عمله الموكل إليه.
كيف لك تجاهل إدراج السعودية هؤلاء في كشوفات لجنتها الخاصة لكي تدرج اليمن في محفظتها الرديئة؟!
الواقع أن هؤلاء يجهلون أنه وفي جولات من تفاعل المجتمع مع متغيراته، ظهرت حركة أنصار الله كتعبير شعبي إسلامي ثوري اجتماعي لمكوِّنات المجتمع الصادقة مع نفسها، والنظيفة أيديها من المال المدنّس الحرام، وكثر وكبر أفراد هذه الحركة شعثاً غبراً بهموم إسلامية عالمية، ووعي قرآني عالٍ، بدون تاريخ سيئ في الوظيفة العامة، ولا علاقات مريبة مع السعوديين والأمريكيين، فكانوا والمجتمع ولا سيما قبيلته كروح لقي جسده الذي ظل يبحث عنه شطرا من الدهر.. وذاك هو سر قوة أنصار الله.
إن التحولات الاجتماعية الثقافية والفكرية التي أحدثتها ملازم الشهيد القائد، وخطابات السيد القائد حفظه الله في أوساط المجتمع، ولا سيما في أوساط الأرياف والقبائل في ظل واقع عملي تطبيقي، تغيب عادة عن أذهان الكثير من المحللين، وهو ما يوقعهم في الخطأ. هذا التحول الاجتماعي الذي لقي فيه ابن القبيلة، وابن المدينة، وابن الفقير، وابن الغني، وابن النخبة، وابن العامة من الناس بغيته، وحقق من خلاله ذاته، واستوفى فيه دوره، وشعر بمسؤوليته وواجبه، ومما لا شك فيه فإنه كان من السباقين إلى هذه المسيرة ابنُ القبيلة اليمنية الذي نظر شزرا إلى زعيم قبيلته الأناني والمستأثر والذي خلد لحياة العمالة والأثرة، وترك قبيلته فريسة للجهل والحاجة والفقر، بل وعمل على تجهيلها وتضليلها حتى تظل أسيرة نزواته الشخصية، وكفيلة بتلبية حاجاته الأنانية.
إنني هنا لا أعبر عن نقمة على القبيلة، ولا أعاني من عقدة نقص تجاهها؛ بل أدافع عن الحقيقة؛ عن هذا (القبيلي) البسيط الذي لم يكن في عِير قبيلته ولا نفيرها، وقد حمل هم الأمة على عاتقيه، وتحدث بحديث القرآن الواسع، وكشف اللثام عن واقع قبيلته وشعبه السيئ، وأبان الخطيئة التي تسبَّبت فيها السعودية والأنظمة المستكبرة بحق المسلمين والعرب، وصار بصرخته وشعاره والتزامه وشجاعته وقيمه وفتوته حديثَ قبيلته رجالا ونساء، صبحا ومساء؛ إذ جاءهم بما لا عهد لهم به، فأصبح محور حكاية حياتهم الاجتماعية، وشيئا فشيئا التف به شباب القرية أو القبيلة أو الحي ذوو النزعة المتمردة، والناقمة وما أكثرهم، فتلقّفتهم الدورات الثقافية لتحلِّق بهم في عالم واسع من الهموم، وإطار أوسع في الزمان والمكان، فبات الذي فكر منهم يوما وقاتل على حدود قبيلته وقريته ضد القبيلة أو القرية الأخرى يتحدث عن الأمة وحدودها العالمية، وصار المهتم بالواقع المذهبي مندفعا لتعبيد الطريق نحو واقع إسلامي عالمي، وظهر ذلك الرعديد الخوّار يواجه أعتى أهل الأرض، فصار بطل قريته وشعبه، وملهِم أقرانه، وحديثَ مساءِ عجائز بلده، ونموذج صغارهم الذي تضفى عليه الأساطير، وتحفه حكايات البطولة.

أترك تعليقاً

التعليقات