أفكارٌ يجب دحضها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
هناك خطابٌ ظهر في الآونة الأخيرة لبعض الذين يقدمون أنفسهم باسم الحق مفاده: أن ظاهرة النقد للواقع السلبي، وكشف مظاهر الفساد، وبيان مواطن الخلل؛ ما هو إلا تجلٍ لانعكاس نفسية (بني إسرائيل) لدى كل مَن يقوم بهذا الدور! وهذا كذب ومغالطة واضحة، لماذا؟ لأن المساواة لكل من ينتقدون بموضوعية ويتحدثون بحق ببني إسرائيل غير موفقة، بل هي الظلم عينه، لأن اعتراضات بني إسرائيل كانت تسير في المسار الذي يمكن أصحابها من الانقلاب على الأعقاب والتمرد على الله وعلى أنبيائه، والتحريف للنهج الذي ارتضاه لهم سبحانه، بينما معظم من يتحدث اليوم عن خلل أو ينتقد ظاهرة، أو يبين قضية، أو يتحدث عن مظلومية، هو ينطلق من خلال الحث على التمسك بالنهج والتمثل الحقيقي للقيادة الثورية كقدوة في كل شيء.
وقد يقولون لك بطريقة أخرى: «إنك لا بد أن تسكت عن كل ما تراه من سلبيات وأخطاء واختلالات وتجاوزات؛ وذلك من أجل وحدة الصف» وهذا أيضاً غير صحيح! لماذا؟ لأن السكوت عن الأخطاء والمخالفات والانحرافات، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، لا يصنع مجتمعاً موحداً على الإطلاق، وإنما يصنع مجتمعاً قابلاً للضلالة والخسران، لكون بقاء أي سلبية على حالها دونما بذل أدنى محاولة في كشف أسبابها وتقديم المعالجات اللازمة لاستئصالها، مدعاة لتشكل بيئة حاضنة للفساد والباطل.
وللأسف الشديد؛ فقد تمكن أصحاب هذا التوجه من إقناع الكثيرين بأفكارهم تلك، لأن معظم من يعملون في ميدان الكلمة لا ينطلقون في عملهم ذاك من منطلق عقائدي راسخ، يجعلهم يعيشون الإيمان وضوحاً في الرؤية، ونوراً في الفكر، وسلامةً في التصورات، وثباتاً في الموقف، واستمراريةً في السير على طريق الهدى، ضمن أمةٍ وُجدت لتكون العنوان الجامع لكل مظاهر الخير، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأساسين ثابتين في الماهية التكوينية والسلوكية والروحية، وكبعدين هامين تتحدد بموجبهما الهوية الجامعة لكل مَن يؤمنون بالله سبحانه، بحيث يصبح عملهم كله مبنياً على أساس هذين البعدين ومضبوطاً بضابطهما.
إن الحق يمقت هؤلاء ويزدريهم، كونه يحتاج كفكر وخط وقضية من حملته إلى اعتماد الأساليب التي تفتح قلوب الناس وعقولهم على الحقيقة من أقرب طريق، فلدى كل إنسان كما يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه: القابلية لأنْ يهتدي، باعتبار فطرته التي فطره الله عليها، إلى جانب ما يشتمل عليه الهدى في مضامينه المنهجية من عوامل جذب للناس كل الناس، الذين لا يملكون أمامه إلا أن يقبلوه، ويتمسكوا به، ويعملوا على تبليغه لسواهم، بل هم مَن سيتحركون تلقائياً ليدافعوا عنه، متى ما تعرض لأي تهديد من التهديدات، التي تستهدف وجوده في النفوس، وتسعى لمحو آثاره في الواقع.
وبالتالي فإن وجود معارضين في الوسط الذي يتحرك فيه أهل الحق، عائدٌ إلى اعتماد الأساليب الخاطئة في مخاطبة الناس ودعوتهم والتبيين لهم.
وهكذا يتبين: أن كل خلل في الساحة ناتجٌ عن خلل في الأسلوب المتبع من قبل أهل الحق، سواءً أكانوا في مقام التربية والتثقيف والبناء الفكري، أم في مقام الحركة العملية، وما يرتبط بها من مهام ومسؤوليات تختص بخدمة الناس، وإدارة شؤونهم.
من هنا ندرك أنه لا بد لنا في كل ما نبديه من أقوال، ونقوم به من أعمال، لها صلة بالناس، من مراعاة الكرامة الآدمية، وألا يكون همنا هو التشنيع على الآخرين وتسقيطهم، والإثبات بأننا أفضل منهم، وإنما يكون همنا الأول والأخير هو: الرفع من مستواهم، والحفاظ على إنسانيتهم، والإصلاح لأفكارهم ومعتقداتهم وأوضاعهم، وقد قيل: مَن كسر مؤمناً فعليه جبره.
ومثلما يجب مراعاة الأسلوب في الإصلاح للأخطاء العملية والفهم المغلوط، فإنه يجب مراعاته كذلك في التصحيح للنظرة التي يحملها ضحايا الثقافات والأفكار المضادة، كما فعل الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، وذلك عندما قابله رجل متشرب للعداء لأهل البيت، نتيجة خضوعه الفكري لكل ما كان يبديه الإعلام الأموي من سردية، إذ لم يكد الرجل يرى الإمام حتى ابتدره بسبه وسب أبيه وأخيه، فرد عليه الإمام قائلاً: «لا بد أنك غريب، فإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت عارياً كسوناك، وإن كان لك حاجةٌ أغنيناك». ولم يكتفِ بذلك؛ بل أمر بأن يؤخذ ذلك الرجل إلى بيته، فما خرج من عنده إلا وهو يقول: «الله أعلم حيث يجعل رسالاته».

أترك تعليقاً

التعليقات