من وصايا خليل ثورتنا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
رحل خليل ثورتنا.. رحل ذلك الحر؛ وهل الحريةُ إلا أنت يا (خليل العمري؟) فقد كنت صوت مَن لا صوت له.
صادقٌ إن قلت، وأمينٌ إن نصحت.
كنت جيشاً في معركة الكلمة بمفردك؛ تقاتل الأعداء؛ فتطعنك حراب المزرين من الظهر؛ لا لشيء إلا لأنك تعيش للقضية، وتؤمن بالثورة، وتعمل تحت راية سيدها يحفظه الله!
أيها الفارس الذي يداهم الوقت، يا امتداد الحملة للحق كفكرة وقول، يا نتاج الرفض للزيف، يا آخذاً بيد الأحرار صوب البناء والتنمية، يا أصل الوعي، ونبراس اللتبصر الخلقي؛ لطالما كنت الثابت كالجبال الرواسي، وأنت تقارع الخونة، وتتصدى لسردية الغزاة المعتدين؛ وتواجه الفساد والمفسدين؛ قلمك: معراج كل روحٍ تعشق الوصول إلى سدرة منتهى العزة والكرامة والمجد والقوة والسيادة والاستقلال. وكلماتك: ذخيرةٌ بجعبة سيد الثورة؛ لا تنطلق إلا عن وعي، ولا تردي سوى القتلة المجرمين؛ قتلة الأنفس والأفكار؛ قتلة الآمال والتطلعات؛ المجرمين بحق الشهداء والصامدين؛ مهدري التضحيات، والمنحرفين عن الجادة؛ أولئك المزرين، الذين كلما رأوك قد رميت ببصرك أقصى جيوش الاستكبار والصهينة، ولفيف العبيد الأعرابي الخياني؛ كبلوا يديك بسقطاتهم، وعقدوا لسانك بصبيانيتهم، ووضعوا أمامك العقبات؛ أفكارهم مغشوشة، وآفاقهم معدومة؛ إن قالوا؛ فهذيانٌ ما يقولون؛ وإن فعلوا؛ فيا لكثرة ما يهدمون؛ حكمهم؛ ظلمٌ، وإيمانهم ادعاءٌ، مهاجروهم؛ كأخي (عديٍ) القرشي؛ وأطيبهم؛ كأخي (تيم)؛ وأنصاريوهم؛ مدنيٌ يماني؛ ولكن؛ كـ(أبي عامر الفاسق) يؤخذ ما ليس له برواية عن كاذبين رفعوا من مقامه بما ادعوه لابنه (حنظلة).
إنهم المزرون الذين في أدبياتهم كما قلت يوماً:
«غادرت المصطلحات معانيها الأصلية إلى معان مبتكرة تبرعمت في أطماع (المغاور) ثم أعشبت من هواجس (الطيرمانات).
أصبح (الخائن) و(المرجف) هو من لا يُصفِّق ويُطبِّل لكبارهم.
وأما مَن ينتقد أخطاءهم أو يشكو خطاياهم، فهو عميل وجاسوس ومرتزق ومأجور، و.... وهكذا.. عندما يُختصر الوطن إلى (قرية) ويُختزل الشعب في (مُشْرِف) لا يتبقى لهذه المصطلحات علاقة بالوطن والشعب والموقف من الغازي والعدو الخارجي، بل بالموقف من القرية المقدسة، والمُشرف العظيم».
لقد كنت تعي أنهم ليسوا بدعاً من الزمن؛ بل مثلوا امتداداً طبيعياً لتيار قديم، تشكل باسم الحق للقضاء عليه من داخله. تيار كانت (السقيفة) محطته الكبرى التي من خلالها قضى على الرسالة المحمدية، وأحل محلها دين الزيف والخرافة، دين التدجين والتمييع والتركيع والاستعباد، دين السخرة وظلم والجور، دينٌ؛ لا محل فيه لعامة الناس، دين التجار والكهنة والفراعنة، دين الاتخاذ من الله والقرآن والنبوة وكل مظاهر العبادة وسيلة لتثبيت أركان الطبقية والمناطقية والقبلية، دين يقدم كل (مغيرة بن شعبة) على كل (عمار بن ياسر) ويجعل من كل (مروان بن الحكم) حاكم على كل (أبي ذر) دين؛ ‏أوله (أبو سفيان) وآخره ألف (أبو... وأبو...).
دين التخلص من (علي) النهج، والخط، والقضاء على (الحسين) الثورة والقضية.
دين اغتيال كل (مالك) والحفاظ على كل (أشعث بن قيس) ليس ثمة جديد، إلا أن السقيفة غدت سقائف.
لذلك كانت هذه وصيتك: «نحن نعيش في مرحلة تُناظر الفترة الممتدة بين (عقبة تبوك) و (خميس الرزيَّة).
وإذا لم ينهض (الحفيد) عاجلًا، ويسارع إلى الإطاحة بـ(الرأسين) قبل أن يقولا (دعوه فإنه يهجُر)، سيخلو لهما الجو حتى من (أبي ذر) و(عمّار) و(المقداد) و(سلمان)، عما قريب. وليس بخاف عن المبصرين أن (سليم) جاهزة لمبايعة من يشتري، ولن يعترض طريق (الرأسَيْن)  عارض، لا (سعد) ولا (سقيفة).
لكن، ما هي إلا أيام أو أسابيع فقط، قبل أن يهربا من (المدينة) مذعورَين، وتطأ الجميع سنابك خيل (الأمويين) الجُدد، فتتعفن الأزقة بجثث الأبرياء، وتسود الفوضى دهرا.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد».

أترك تعليقاً

التعليقات