الورطة الكبرى
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
أرادت أمريكا أن تورط السعودية فأقحمتها في حرب خاسرة مع اليمن، وجعلتها تتزعمُ تحالفاً لتقومَ بعد ذلك بابتزاز كل من يندرج ضمن هذا التحالف، ولتبيع الأسلحةَ من المملكة، وتؤجرَ لها البوارجَ وتؤيدَ حربَها ضد اليمن. تفعل أمريكا كلَّ هذا لتغذي خزينتها بمليارات الدولارات 
التي ستأخذها من المملكة، ثم تتبرأُ منها في نهاية المطاف.
السعودية في نظر أمريكا ليست سوى بقرة حلوب، كما يقول ترامب، وبعد أن يجف حليبها سيتم ذبحُها. سيناريو معدٌّ ومعروف سلفاً لو كانت السعودية تفهم معنى الحرب، ومعنى السياسة، ومعنى الابتزاز الأمريكي، وتدرك الورطةَ التي تفوق حجمها.. فإن لم توصلها هذه الورطةُ في النهاية إلى محكمة الجنايات الدولية، فإنها دون أدنى شك ستلقى مصيرَ العراق.. وحين يعجزُ بنو سعود عن دفع ما تريده أمريكا سيتمُّ فتحُ السعودية كما تم فتحُ بغداد، وسيأخذون منها النفطَ مقابل الغذاء بعد أن تتمَّ مقاطعتُها وإدراجُها في قائمة الإرهاب.
الشعبُ السعودي حينها سيكون جاهزاً للتصفيق من أجل إسقاط هذه الأصنام المنتصبة منذ مائة عام.. فقد ملَّ الشعب من مبايعة هذه الأيدي الكرتونية التي يصافحها مرغماً، لأنه لن يستطيع الوصول لمصافحتها فعلياً. تستخف السعودية بعقول هذا الشعب حين تجعله يؤدي البيعة، وينكس رأسَه أمام هذه الكراتين المرسوم عليها صور ملوك بني سعود، التي تعبر بالضرورة عن هؤلاء الملوك الذين هم في حقيقتهم أكثرُ هشاشةً من هذه الكراتين التي تجسِّدُ معناهم ومبناهم.
بدأت أمريكا لعبتها، في أواخر عهد أوباما، بنشر وثائق تفيد بأن السعودية متورطة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأقر الكونجرس قانوناً يسمح بمقاضاة الدول المتهمة بمساعدة الإرهاب، وعلى رأس هذه الدول السعودية التي كانت تدرك أن هذه الخطوة ستفتح الباب لبقية الدول لاستصدار قوانين مشابهة ستغرقها في شر أعمالها.
يطمع ترامب في أموال الخليج منذ عشرين عاماً، وصرح بذلك، وتوعد ووعد أنه سيأخذ أموالهم في حال أصبح رئيساً.. وحين صعد إلى سدة الحكم توجهت بوصلته إلى السعودية، ليفي بوعده لنفسه ولبلده.
رافقته ابنته الجميلة، ليعود بصفقةٍ لم تخطر على بال رئيس من قبله.. أربع مائة وثمانون مليار دولار. مقابل ماذا دفعت السعودية كل هذا المليارات التي تكفي لبناء مدينة من الذهب؟
قبل صعود ترامب، نشرت الصحفُ الأمريكية الكثيرَ من المقالات عن إرهاب السعودية، وقتلها الأطفال والمدنيين في حربها على اليمن.. واتهمتها صراحةً بالتورطِ في حادثة برجي التجارة العالمي، ونشرت صحيفة «ديلي نيوز» الأمريكية على صفحتها الأولى صورة الملك سلمان، وهو يجلس على كرسي ملكي فاخر، وفي أعلى الصفحة عنوان عريض من كلمتين هما: «الحثالة الملكية».. ويظهرُ في خلفية الصورة انهيارُ برجي التجارة، كدلالةٍ على الإرهاب السعودي.
طلبت أمريكا من كل مواطن تضرر من تلك الهجمة أن يرفع قضية ضد السعودية.. بينما السعودية هددت ببيع أصولها في أمريكا إن تم تمرير هذا القانون.
ديك تشيني، وزير الخارجية الأمريكية السابق، هدد بني سعود أن يدفعوا بصمت بدلاً من التشهير بهم في المحاكم، وبالفعل تم الدفع إلى يد ترامب في تلك الزيارة التاريخية.
تم إدراج السعودية في قائمة الإرهاب لأكثر من مرة، وتستمر هي في دفع الملايين من أجل إزالة اسمها من هذه القائمة.
وتدفع السعودية ملايين الدولارات لمواقع التواصل الاجتماعي لإزالة المنشورات والتغريدات التي تمس سمعتها، وتجند الآلاف من الذباب الإلكتروني في تويتر لتكذيب الهاشتاغات التي تضر بسمعتها وتضعفها أمام خصومها، إضافة إلى شرائها صحفا ورؤساء تحرير وكتَّابا لتلميع صورتها المشوهة التي لن يجمِّلها شيء.
التلميع كان ممنهجاً ومدروساً منذ عدة سنوات.. فحين وصل ولي العهد إلى أمريكا قامت مجلة «ناشونال إنكويرر» الأمريكية بطبع إصدار خاص، يحتوي على تقارير تمدح ابن سلمان الذي يحسِّن حياة أبناء شعبه ويبني مملكة خارقة. وكذلك فعلت «نيويورك تايمز».
رغم ثرائها، فشلت السعودية في جعل نفسها مركزاً ريادياً لقيادة المنطقة العربية، إذ إنها لم تستطع أن تكون جزءاً من الهم العربي، أو أن تحمل شيئاً من القضايا العربية.. وأنَّى لها ذلك وهي التي جلبت كل هذا الخراب لسوريا واليمن والعراق وليبيا والصومال.. وكيف بإمكانها أن تكون في الصدارة العربية والإسلامية وهي التي تضخ الأموال للجمعيات الخيرية والجماعات الإرهابية في كل بلد عربي وإسلامي، وتغذي هذه الجماعات بالأسلحة والمعدات، وتشعل الحرائق على طول امتداد الخريطة العربية؟
أثرت الحرب كثيراً على السعودية، وطارت المليارات من خزينتها لأجل اللاشيء، ولأول مرة تعلن السعودية عجزاً في ميزانيتها في عهد الملك سلمان الذي لم يعد يدري ماذا يريد من الحياة قبل انتهاء العرض؟
كيف لمن رهن خزائنه وإرادته بيد سواه أن يدري ما الذي يريده؟
التدهورُ الاقتصادي الذي أصاب الخزانة السعودية، دفع الأميرَ المدلل محمد بن سلمان إلى اعتقال رجال الأعمال السعوديين، وحشرهم بداخل فندق لأيام عديدة حتى يدفعوا له ما يريد، ما لم سيلصق بهم ما شاء من الاتهامات الجاهزة.
بعد أن استعدى محمد بن نايف وأزاحَه من منصبه ليستولي هو على هذا المنصب الذي سيوصله إلى كرسي أبيه، قام باستعداء الأمراء وأصحاب رؤوس الأموال ليغطي بأموالهم سوءته التي كشفتها الحرب على اليمن، ولم يسلم من استعدائه حتى رجال الدين والوعاظ.
قام بزجِّهم في السجون، ليوصل لهم رسالةً بأنه هو كل شيء، خشية أن يكون بينهم مناهضون له أو مؤيدون لخصومه من أمراء بني سعود. دون أن يدري أنه بتصرفاته هذه يصنع منهم رماحاً مسنونةً موجهةً إلى صدره حين تحين الفرصة لهذا الفعل.
ذهب ابن سلمان إلى أمريكا وبريطانيا وفرنسا، في جولة طويلة، ليغسل وجه مملكته المليء بدماء اليمنيين. استقبله البعض بالشتائم واللافتات المنددة بجرائمه، هاتفين في وجهه بأنه مجرم حرب بقتله أطفال اليمن، وبحربه اللامشروعة على بلد لم يعتدِ على أحد منذ آلاف السنين. فيما البعض الآخر حوَّل شوارع لندن كأنها الرياض حين قاموا بتعليق صوره على السيارات والجدران والواجهات. كل هذه الصور تم الدفع لتعليقها مسبقاً، لأنه يعرف كيف ينفق الملايين لتلميع وجهه في بلدان تعرف كل أقنعته وتعرف أنيابه جيداً.
لكي يثبت لهم أنه منفتح وله رؤية خارقة تجاه الفن والحياة قام بشراء لوحة تشبه الموناليزا لدافنشي بقيمة أربعمائة مليون دولار.. وهي اللوحة الأغلى في العالم، بيعت في مزاد علني ورسا المزاد عليه، وقد هنأه ابن زايد قائلا له إنه رفع من قيمة اللوحة.
التقى ببعض نجوم هوليوود ومشاهير أمريكا وصحفيين وإعلاميين، والتقط معهم صوراً تذكارية ليكتبوا في ما بعد عن هذا الأمير القادم من الصحراء والذي يريد أن يلحق بركب العالم المتحضر. رغم أن كل هؤلاء يعرفون أن المملكة آخر دولة في العالم تسمح للمرأة بقيادة السيارة، وأن سجونها مليئة بالناشطين والمعارضين وأصحاب الرأي الآخر والكلمة الحرة، وأنها الدولة الوحيدة في العالم التي مازالت تجلد مواطنيها بالسوط في الساحات العامة، ومازال علماؤها وفقهاؤها ينكرون كروية الأرض!
أفتى علماء سعوديون كثر بحرمة الموسيقى والمعازف والغناء، وقاموا بالتهجم على حفلات كثيرة وإفسادها، وتكسير الآلات الموسيقية، وحين تم استقدام عازف البيانو، الموسيقي العالمي «ياني»، هلَّل الجميع وصفقوا، ولم يجرؤ أحد على قول شيء.
كان بإمكان رُبع ثمن هذه اللوحة أن يجمِّل وجه مدينة جدة، ويكفيها لعمل مصارف لمياه الأمطار التي تُغرق جدة كل عام، وتجرف السيارات والبيوت.
وكان بإمكان ربع ثمن هذه اللوحة النزوة أن يكفي الذين يعيشون على الضمان الاجتماعي في المملكة لمائة عام. لكنها الوسيلة الأسرع لتقديم نفسه على أن لديه نظرة فنية وتحررية، لأجل أن يعكس أن السعودية ليست مملكة متخلفة، وأنهم يفهمون في الفن والشعر والأدب والموسيقى، ولذلك أقاموا الحفلات الموسيقية في الرياض، وتم استدعاء فنانين من معظم الأقطار العربية والأجنبية. واحتفل الناس حين قامت القناة السعودية الأولى ببث أغنية لأم كلثوم لأول مرة في تاريخ السعودية، وكأنهم بهذا الإنجاز وصلوا إلى ذروة الانفتاح. مع أن التغيير لا يأتي فجأة بين ليلة وضحاها، لأن المجتمع متشبع بثقافة أخرى وتركة كبيرة من الفتاوى التي يركز معظمها على ما تحت السرة، وفضائل الحبة السوداء، وفوائد بول الإبل، ولحوم العلماء المسمومة، وطاعة ولي الأمر، حتى وإن ضربك وجلد ظهرك وأخذ مالك.

أترك تعليقاً

التعليقات