شجون عن المولد والهجرة
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

في كل ذكرى للمولد النبوي الشريف كان خطباء المساجد يتلون علينا نتفاً من السيرة النبوية، على صاحبها أزكى الصلاة والسلام، دون أن يعرفوا أنهم يحشون عقولنا بأشياء مغلوطة تمس قداسة النبي وعصمته وخُلقه الأعظم.
لم يكونوا يتحدثون عن يوم مولده باعتباره يوماً استثنائياً أشرقت فيه الظلمات وابتهجت به السماء والأرض، لأن هذا في نظرهم يعتبر من مبالغات الشيعة والصوفية. وحذرونا كثيراً من المبالغة في حب النبي وتقديسه.. ولا أدري أية مبالغة يقصدون. وما عساك أن تقول في أشرف الخلق وسيد الأنبياء والمرسلين؟ فمهما بالغت في وصفه لن تصل إلى أقلّ صفاته.. فكل مبالغة تتضاءل تجاهه، وكل بلاغة تعيا حين تصفه، وكل لغة تتلاشى بين يديه.
لم يعلمونا حبَّ النبي بقدر ما غرسوا فينا حبَّ أصحابه.. كانوا يتحدثون عنه كأنه واحد منهم، وحاشاه أن يكون كذلك.. فكلمة صاحب لا تعني الصديق، فحين نقول أصحابه فلا بد أن يكون صاحبك مكافئاً لك في مكانتك وفي خلقك وفي مستوى علمك وتفكيرك، لأنك لن تصاحب شخصاً ليس بينه وبينك قاسم مشترك، ولن تصاحبه وهو لا يمتلك عُشْرَ ثقافتك وعلمك وأدبك وأخلاقك، ولا يرقى إلى منزلتك.. ولم يكن هناك أحد يكافئ محمد بن عبدالله حتى يكون صاحبه.
حتى في ذكرى هجرته الشريفة، كان خطيب الجمعة يتحدث عن خروج النبي من بيته، وعن مرافقة أبي بكر له في رحلته إلى الغار، ويتناسى كعادته أن يتحدث أن عليّاً نام في فراشه.. ثم يتحدث، باستفاضة، عن ذكاء أسماء بنت أبي بكر حين شقَّت نطاقها لتجعل نصفه حجاباً ونصفه زوَّادة تضع فيها الأكل للنبي ولأبيها الذي لم يكن يعرف أين سيذهب أصلاً! من غير الممكن أن تسافر دون زاد وماء وملابس.. الآن نحن في عصر مختلف، ولو فكرت بالسفر لن تذهب دون أن يكون لديك مال في جيبك أو في بطاقتك الائتمانية.
ومن غير الممكن أن يخرج النبي من بيته وهو محاصر ويذهب إلى بيت أبي بكر وفيه اثنان من أولاده الذين لم يدخلوا الإسلام بعد، وكانت هناك جائزة مائة ناقة لمن يأتي بمحمد.. وإن كانا قد ذهبا دون تحديد وجهتهما، فما أدرى أسماء بنت أبي بكر أنهما في الغار؟!
أخبرونا أن أسماء كانت تذهب إليهما في الغار حتى يخيَّل لنا أنها ذاهبة لزيارة مرضى أو زيارة سجين.. رغم أن المسافة كبيرة بين الغار وبين بيت أبي بكر الصديق، ولا تكفي سيارة بيجوت لقطعها في وقت قياسي كالذي كانت تقطعه أسماء بنطاقها المشقوق، الذي كنت أتخيّله مثل سجادة علاء الدين.
أما عبارة صاحبه في آية الغار، فقد كانت تعنيفاً، وليس بالضرورة أن تعني أن صاحبه هو أبو بكر فعلاً.. فقد خرج صاحبه من هذه السكينة التي أنزلها الله على نبيه لوحده، حين انتقل الخطاب من المثنى إلى المفرد.

أترك تعليقاً

التعليقات