لكي لا يُقال!!
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا-

حين يكون أي فعل أو موقف إنسانياً بحتاً لا بد أنه سيكون مختلفاً حين يصدر من أجل امتداح أو شهرة، فالفعل هو الفعل وإنما تتغير النية والمقصد من وراء القيام به، رغم أن نتيجته المادية هي واحدة في كلتا الحالتين.
تقول الروايات إن الخليفة عمر بن عبدالعزيز كان يأمر بنثر الحبوب على رؤوس الجبال لإطعام الطيور، وحين سألوه عن هذا أجاب: لكي لا يُقال إن طيراً جاع في عهد عمر!!
إن صحَّت هذه المقولة فالموضوع إذاً ليس مرتبطاً بالإنسانية ولا بحياة الطيور التي تخرج من أعشاشها فيملأ الله حواصلها ويُشبعَها، فلم تكن الطيور تموت جوعاً حتى يفعل عمر بن عبدالعزيز هذا، ولكنه كان يفعل "لكي لا يُقال فقط"، حسب قوله!!
فمتى سمعنا أن طيراً جاع، سواء في عهد عمر أو منذ عهد آدم عليه السلام؟
هناك مرويَّات كثيرة عن زهده وحرصه، كرواية شمعة بيت المال التي كان يشعلها حين يسهر على أمور الرعيَّة، ثم يطفئها حين يأتيه ضيف ويشعل شمعة من أملاكه الخاصة، حرصاً على أموال المسلمين.
ألم تكن أبواب بيوت مال المسلمين مفتوحةً للشعراء والمدَّاحين الذين يمتدحون الخلفاء بقصيدة فيأخذون مقابلها ذهباً وفضة، وقد يصل الأمر إلى ما فعله الأصمعي، فقد قيل إنه أخذ وزن قصيدته ذهباً وفضة حين كتبها على لوح كبير من الرخام؟!
فما جدوى التقشُّف تجاه هذه الشمعة!!
فقد كانت "زبيدة" زوجة هارون الرشيد -الذي تقول الروايات إنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً- لا تستطيع المشي حين ترتدي كلَّ مجوهراتها. وفي المقابل سنجد امرأة خارج أسوار قصر الرشيد لا تقدر أن تمشي أيضاً، ولكن من شدة الجوع!!
كان عصر عمر بن عبدالعزيز مختلفاً عن أجداده الأمويين، وقد دفع حياته ثمناً لمواقفه المشرفة، ولكن جاء بعده مغالون نَسَبوا له أشياء وفضائل هو في غنى عنها، لاعتقادهم أنها زيادة في الفضل.
كم كنا مخدوعين بهذه المقولة الرنَّانة، ونحسُّ بالغبطة تجاه كلِّ هذا الزهد الأسطوري!!

أترك تعليقاً

التعليقات