تسليع الإنسان
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
أشعر أنني كبيتٍ قديم يتداعى.. نوافذ كثيرة لم تعد تنفتح بداخلي، حتى باب بيتنا القديم الذي كنتُ أدفعه بيديَّ الصغيرتين مازلت أحمله، لكنه أصبح مغلقاً ولم يعد يحتمل الدخول والخروج، لأنه لم يعد قادراً على إصدار تلك الأصوات المرعبة التي كان جدي يُسكتها بقليل من السمن البلدي، وكأنه كان يضع نذوراً لهذا الباب المسكون بأصوات كان يفشل في تقليدها.
الحياة ضربٌ من العبث، لذلك كنت أحفر اسمي على الصخور كأنه تعويذة سيحميها من غوائل الكسَّارات ومطارق البنَّائين، لكن الديناميت كان أقوى من اسمي المحفور، لذلك آمنت أن لكلِّ شيء نهاية.
مازلتُ مسكوناً بحكايات نبَّاش القبور، وممتلئاً بحكايا الجنيَّات اللواتي يتلحَّفن بأثدائهن، وحكايا البِدَات اللواتي كنَّ يُحوِّلن الرجال إلى حمير.. حينها كان وهابيو نجد والحجاز يروِّجون أن كتاب “الحصن الحصين” يستطيع صدَّ مكائد الساحرات، وكنت أرى الاستحمار متفشياً عند الكثير من الناس رغم الشهادات التي تمتلئ بالحروز، والأعناق الجميلة التي تحوَّلت إلى مشاجب لتعليق التمائم.
أشفق كثيراً على هذا الجيل من الذكريات.. ما الذي سيكون في جراب ذكرياتهم سوى الـ”آيفون” والـ”آيباد” والـ”جلاكسي”، وسخافات “فيسبوك”، والصفحات المستعارة، وتفاهات غرف ونوافذ الدردشة.. لا يعرفون حزاوي الجدَّات وحكاياتهن الجميلة، وليس في ذاكرتهم مساحة لمجلات ماجد، وخانة التعارف والهوايات في مجلتي اليقظة والنهضة، وروايات رجل المستحيل، وروايات أجاثا كريستي، ومجلدات غراندايزر المليئة بالرسوم المتحركة، ولن يعرف هذا الجيل حكاية ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والزير سالم، وعنترة بن شداد.
أحنُّ إلى العيش في القرية، حيث لا إعلانات، ولا مُلصقات دعائية لمنتجات تقوم بتسليع الإنسان وتخفِّض منسوب الإنسانية.

أترك تعليقاً

التعليقات