ذكريات سيئة
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

طالما شغلتني كلمة «طوبى».. ولم أقتنع أنها شجرة في الجنة، فما جدوى تعريف شجرة واحدة بين ملايين الأشجار؟
وهي بالتأكيد لا تشبه شجرة الغريب، ولا شجرة دم الأخوين.
في مدرسة الخير لتحفيظ القرآن، لم نكن نحفظ القرآن فقط، فقد كنا نشرب حب التابعين وتابعيهم، وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين كما شرب بنو إسرائيل حب العجل في قلوبهم.. وأخبرونا أنه لا بد أن يكون حبنا للصحابة والتابعين أكثر من حبنا لآبائنا وأمهاتنا وأطفالنا.. لم أجرب هذه الأخيرة لأنني يومها لم أنجب أحدا، فقد كنت في الـ14 من عمري.
كانوا يعبئون جيوبنا وعقولنا بالأشرطة وكتب الجيب الصغيرة، وتلك الكتب التي تكون عناوينها بخط يشبه الشوك، تعرفون هذا الخط جيدا، فهم يشوّكون أية مفردة تشير إلى الشرك، كأنهم ينصبون لنا فخاخا.
ذات يوم، طلبوا مني أن أقف أمام المصلين لألقي خاطرة.. وفي اليوم التالي طلبوا مني أن أفرش الشال بعد صلاة الجمعة لجمع تبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك الذين كانوا يتعرضون لإبادات جماعية، ولن أنسى رقم تلك الجرافة الصفراء التي كانت تجرفهم وتلقي بهم في حفر كبيرة ثم تهيل عليهم التراب كما لو أنهم نفايات نووية.
في سن الـ15، كنت قد قرأت كتبا كثيرة كـ»حصن المسلم، العائدون إلى الله، آيات الرحمن في جهاد الأفغان، قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله، ماذا يعني انتمائي للإسلام، فقه السنة، زاد المعاد في هدي خير العباد، لماذا أعدموني، معالم في الطريق، رجال حول الرسول، ثم اهتديت، تفسير الجلالين، وكتاب (تحفة العروس) لابن قيم الجوزية»، فقد كنت أخطط للزواج في ذلك السن كي لا أستعجل على الذهاب إلى الحور العين.
كان زواجي في الـ17 حرزاً وحصناً من البحث عن الحور العين بين أشلاء الشهداء. لم أكن أنوي أن أدخل الجنة وأنا أمشي على الجماجم والدماء، فقد كان عقلي راجحا، وكنت أعرف أين موقعي في هذه الحياة.. لكني لم أكن أرى موضع قدميّ، فبقيت مكاني حتى اتضحت الرؤية وبدأت أول خطوة في طريق كل ما فيها يقين، وفي كل خطوة سلامة.
«لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما»، ونردد: سُلّما يا سُلّما.. وحين آوي مساء إلى فراشي أتخيل سُلّم الجماجم هذا قبل أن أنام، وأبحث عن جمجمتي التي تم اعتبارها جزءاً من ذلك السّلم الذي لا أدري من سيستخدمه ويدوس على جماجمنا ويصعد إلى قبة البرلمان في الانتخابات القادمة!
«مرحباً بكم أيها الأشداء على الكفار، الرحماء بينكم».. كانت هذه التحية (الصعترية) أول ما سمعته من الشيخ عبدالله صعتر، ونحن في مخيم صيفي بحي القادسية، شارع تعز.
التفت يمينا وشمالا.. فلم أجد الأشداء ولا الرحماء..
كان إطفاء الخيام مقررا في الساعة التاسعة مساء لكي نخلد للنوم، وقبلها بعشر دقائق كانوا يطفئون الكهرباء ويعيدونها في نفس اللحظة كإشارة للاستعداد للنوم.
كنت أخبئ القات العنسي في الخيمة وأتناوله في الظلام، كما كنت أخفي مسجلاً صغيراً وشريط كاسيت عنوانه «نداء البعيد».

أترك تعليقاً

التعليقات