جنود من عسل
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركــي / لا ميديا -

إن أسوأ ما في المتدينين أنهم يتسامحون مع المفسدين ولا يتسامحون مع المفكرين.
هكذا تحدث عبدالله القصيمي، وكأنه يعيش الوضع الراهن، لأن ما يجري هو امتداد لتاريخ طويل من الدجل السياسي المتأسلم.
المتدينون يتسامحون مع الفاسدين، لأنهم مستفيدون منهم، ولا تستبعد أن يسرد أحدهم فضائل هذا الفاسد بأحاديث يخرجها من كيسه، كما كان يفعل بعض الرواة. لكنهم لا يتسامحون مع المفكرين، لأن المفكر في نظرهم "عاطلٌ يفكر"، وبالتالي لن يستفيدوا من المفكرين، ولن يسلموا من حدِّ ألسنتهم.
هكذا تقتضي المصلحة التي تجمع بين رجال السياسة ورجال الدين، كما يقول المثل المصري: "شيـِّلني وأشيِّلك"، رغم أن رجال الدين أغدر من رجال السياسة في كل عصر، فمتى اكتفى رجل الدين من رجل السياسة أطلق فتوى بجواز تفجيره أو قتله بمسدس كاتم الصوت، وتصويره في نفس اللحظة، ربما ليشاهدوا روحه وهي تطير، رغم أن الطريقة الأموية كانت ناعمة جداً، وهي دسُّ السمِّ في العسل، كما فعل معاوية حين قتلَ الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وأطلق مقولته الشهيرة: "إن لله جنوداً من عسل"، وكما فعل أيضاً مع الأشتر النخعي، وغيرهما الكثير.
ما يحدث اليوم هو نفس ما يحدث في كل عصر. يصبح اللصُّ عفيف اليد، والمفتي بقتل الناس عفيف اللسان، حتى وإن كان يحنِّي يديه بدم الأبرياء.
ما زال عطر الفواكه يصيبني برهبة في أن هناك فتوى قاتلة تتشكَّل في علم الغيب. فحين تجد الحبة السوداء متسعاً من البياض الذي نحن فيه فثق أن هناك فتوىً، وأن هناك من ينصِّب نفسه باسم الله ويرى في نفسه الوكيل الوحيد أو الناطق الرسمي لأرحم الراحمين.
وحين تجد العسل البلدي وخلطة العريس فليس عليك أن تتأكد من شيء، لأنك ستشعر بالحسرة على كلِّ شيء، وستندم أنك من مواليد هذا القرن، وسيراودك اعتقاد مزمن بأنك على الكوكب الخطأ.
أزكمتمونا بعطوركم، وأتعبتمونا بخلطاتكم التي تدل على فشلكم، وقتلتمونا بفتاواكم. دعونا نَعـِشْ بسلام، فإن كنا مؤمنين فطوبى لنا، وإن كنا غير ذلك فسنجد ربَّاً عظيماً، إن شاء سيغفر لنا وإن شاء سيعذبنا، وسيكون أرأف بنا منكم في كلتا الحالتين، وغفرانه مقدَّماً على عذابه، فنحن نعبده بحسن الظن، وليس بالخوف والترهيب والرعب. 
الله ليس هكذا يا هؤلاء.. أنتم فاهمين غلط والله. اتركوا كتبكم الصفراء وأشرطة الرعب والإرهاب وقولوا: "يا الله"! وستجدونه في كلِّ شيء جميل. كلُّ ما عليكم فعله أن تهدموا الأصنام التي بداخلكم، وتبتعدوا عن تقديس مشائخكم، وتطرحوا فتاواكم القاتلة أرضاً، وستجدون رحمة الله تتجلِّى في كل مخلوقاته كلوحةٍ جميلة لا تقدر على الإحاطة بها عين.

أترك تعليقاً

التعليقات