في ذكراه العشرين
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

حين نذهب إلى استرجاع ما كتبه «الرائي في الزمن الأعمى» عبدالله البردوني، نندهش بتلك المتون التي طالما اعتقدناها هوامش. ومع هذا كانت هوامش نعيشها ولا نراها.
يا لهذا الأعمى الذي يجعلك ترى ما حولك رغم أنك تملك عينين لا تريان شيئاً!!
أليس هو الذي رأى «وجوه دخانية في مرايا الليل»؟!
من ذا يقدر على رؤية هذه الوجوه منعكسة على مرايا الليل؟! وأي حداثة قد جاءت بما جاء به هذا الشاعر الكفيف القادم من «بردُّون الحدا»، تلك البيئة التي فُجعت بعبدالله البردوني حين أصابه العمى، فقال والده: لا قضى ولا سلف؟!
ومن ذا يرى «رواغ المصابيح»؟!
عبدالله البردوني. هكذا دون أي ألقاب، لأنه لا يعاني من أي فراغ لكي يسد هذا الفراغ بلقب أو حرف يسبق اسمه. فالبردوني إضافة هائلة للشعر العربي. وقد قال أحد النقاد في مربد العراق: «الشعر العربي مرَّ بثلاث مراحل: جديد وقديم وبردوني».
قد يقول قائل إن هذا الكلام كبيرٌ جداً، وهو معذورٌ في قوله، لأن «الإنسان عدو ما يجهل».
حين نبحث عن البردوني في المناهج المدرسية والجامعية سنجد قصيدة يتيمة هي «أفقنا على فجر يومٍ صبي»، هذا إن كانت ما تزال موجودة، وكأنَّ البردوني لم يكتب سواها، أو كأن الأجيال السابقة واللاحقة لن يعرفوا البردوني إلَّا من خلال هذه القصيدة!!
لماذا لا يعاد بث برنامجه «مجلة الفكر والأدب» الذي كان يُذاعُ أسبوعياً من إذاعة صنعاء، منذ أوائل الستينيات وحتى يوم وفاته، إلى أن تجاوز عدد حلقات هذا البرنامج 1400 حلقة؟!
لا أتحدث عن البردوني الشاعر فقط، ولا عن إدخال بعضٍ من نصوصه في المناهج المدرسية، فالبردوني ليس شاعراً فقط، فهو مفكر وفيلسوف ومؤرِّخ وناقد وفقيه. وبإمكان وزارة التربية ووزارة التعليم العالي وجامعة صنعاء الالتفات إليه بدلاً من الغثاء الذي تمتلئ به المناهج المدرسية والجامعية، هذه المناهج الرديئة التي ستنتج أجيالاً غير قادرة على التعامل مع العصر، لأنها ضحية أساليب الحفظ والتلقين.

أترك تعليقاً

التعليقات