الخطيب الكذاب
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

في مراهقتي، كنت أتمنى لو أنني ولدت في أمريكا، وأمتلك شعراً أشقر وعيوناً زرقاء، أو حتى خضراء كعيون القطط، لا يهم.. وتعلمت الإنجليزية لعلي أجد نفسي ذات يوم هناك، في حياة أخرى.
تضاءلت أمنيتي بامتلاك عيون زرقاء حين أخبرنا خطيب الجامع أن الآباء الأمريكيين يطردون أبناءهم ويتخلون عنهم حال بلوغهم سن الـ18.
تلاشت تلك الأمنية.. لا أريد أن أجد نفسي مطروداً في الشارع دون أن يسمح لي أبواي بالبقاء في المنزل لمجرد أنني وصلت السن القانونية التي تسمح لهم بإخراجي من البيت دون سبب.
كبرتُ، وقرأتُ، وسافرتُ كثيراً.. لكنني لم أصل إلى أمريكا إلا في أفلام الأكشن التي تنتهي وقد تعبتُ من المطاردة في الشوارع وإشهار المسدسات في وجوه الشرطة.. لم أصل إلى أمريكا لأجلس على تلك الكراسي الطويلة في الحانات.. تلك الكراسي التي يجلس عليها البائسون والمفصولون من أعمالهم وأصحاب الرهون العقارية والمطلّقون في أول أسبوع من طلاقهم، ليطلبوا من النادل كأس مارتيني بالتفاح يسكبونه في حلوقهم دفعة واحدة كتعبير عن البؤس والإحباط.. مع أنني كنت سأكتفي بعصير التفاح فقط.
لم يكن الآباء يطردون أبناءهم، كما قال ذلك الخطيب المتزمت، بل كانت ثقافة يقوم بها الولد تلقائياً لتعزيز الثقة بالنفس بدلاً من الاعتماد على الأب، ويبحث عن عمل ليعتمد على ذاته.
كان ذلك الخطيب يكذب كثيراً، فقد أخبرنا، ذات جُمعة، أن الإسماعيليين كفار، وأنهم يفعلون ليلة سيئة كل عام، وأن مكان تواجدهم في مسجد كذا ومسجد كذا.. كأنه يحرضنا على الذهاب إلى مساجدهم لقتالهم.. فاستغربت: كيف يقول إنهم كفار ولهم مساجد يصلون فيها؟!
وحين كبرت، لم أجد أنظف ولا أنبل من أصحاب الطائفة الإسماعيلية، فمن يمشي في الخط العلوي، الذي يوصل إلى علي بن أبي طالب، لا يمكن أن يكون كما قال ذلك الخطيب الكذاب.

أترك تعليقاً

التعليقات