الغداء الأخير
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

شاهدت فيلم "الغداء الأخير"، الذي ضجَّت به مواقع التواصل الاجتماعي... تضليل للحقائق، وروايات مهزوزة، وأخرى مبنية على الظن والقيل والقال، واستعراض للتفكير العميق والطنَّانة العبقرية، وجاكيت جمال المليكي الأنيق وهو يتمشَّى في شوارع باريس، وحذائه اللامع الذي ظهر في الفيلم كإشارة إلى الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل... وللمشاهد أن يرى حجم التهرب من الإشارة الصريحة لبقية القتلة الحقيقيين للشهيد إبراهيم الحمدي.
هناك ثلاثة من مرافقي الحمدي ما يزالون أحياء. كانوا مرافقيه منذ أن كان نائباً لرئيس الوزراء إلى أن اغتيل وهو في منصب رئيس جمهورية. كان هؤلاء الثلاثة ملازمين له بشكل يومي، وبإمكانهم أن يدلوا بشهاداتهم ويقولوا كلاماً أهم مما قاله أصحاب الكرافتات والألقاب التي كانت تظهر تحت أسمائهم في الشاشة. وعدم وجود مرافقي الحمدي الثلاثة لقربهم الشديد منه يجعل الفيلم ناقصاً وإجابات المتحدثين جاهزة ومعدّة سلفاً.
لم يكشف هذا الفيلم شيئاً مما كان متوقعاً بقدر ما أخفى الكثير من الحقائق، ولم يتحدث عن الطبيب الشرعي الذي كتب في تقريره أن جثتي المرأتين الفرنسيتين منقولتان ولم يتم قتلهما في المكان نفسه الذي قتل فيه إبراهيم، ولم يذكر أيضاً أن هذا الطبيب بقي تحت الإقامة الجبرية لعقود في منطقة حدَّة، شارع الكُميم!!... 
رغم المعلومات التي احتوى عليها الفيلم لكنه لم يكن سوى كيدٍ قَطَري موجَّه عبر قناة "الجزيرة" للبحث عن نسخة أخرى لخاشجقي، لإلقاء اللائمة على السعودية، مع أن أصغر طفل يمني يعرف أن السعودية هي المخطط والقاتل الأول للشهيد إبراهيم الحمدي الذي رفض أن يملأ بطنه بأموالهم كي لا تسهُلُ عليهم قيادته ويتحول إلى مطية لهم، فإن امتلأ البطن سيخجل الوجه، كما يقال.
كان إبراهيم الحمدي يعرف نوايا السعودية حتى على مستوى الهبات والمشاريع التي تقدمها. وقد أخبرني مرافقه الشخصي الذي يسكن بجواري أن الحمدي، وهو في جولة له بسيارته ومرافقيه الأربعة، رأى لوحة كبيرة لمشروع على نفقة السعودية، وشعر بالحنق وألقى يومها خطاباً قال فيه: "نحن اليمنيين أيدينا هي العليا، نحن نعطي ولا نأخذ من أحد.. وإن كان هناك مشروع ضمن التعاون القُطْري والقومي فبشرط ألَّا تكون اللوحة أكبر من المشروع".
أما بشأن شهادة قائد الحرس الخاص بالرئيس الحمدي أنه سمع من فلان وأخبره فلان قبلها بشهر، فالأكيد أن أحمد الغشمي دخل إلى مكتب الرئيس الحمدي وقال له: "يا فندم إبراهيم، السعودية عرضت علينا فلوس كثيرة علشان نقوم بتصفيتك..." فأجابه إبراهيم: "إذا ادَّت لكم السعودية زلط شلُّوها"، بمعنى خذوا المال ما دام معروضاً عليكم. قال هذا الكلام لأن الغشمي كان مقرباً إليه كيده اليمنى، ولم يكن يخطر بباله أن الغشمي سينفذ فعلاً ما أمرته به السعودية مع بقية المتعاونين والمشتركين في قتل الحمدي، هذه الجريمة التي غابت فيها شخصية الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي كان الأحرى أن يتم منحه دور البطولة في هذا الفيلم.

أترك تعليقاً

التعليقات