حتى وإن!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يدور منذ مدة، حديث تلوكه ثلة، عن فصل جنوب اليمن بدولة. لنفترض أن دول التحالف أنفذت أجندتها، وأنجزت هذه المهمة. ماذا سيحدث؟ لن تكون المرة الأولى التي تُفصم عروة اليمن سياسيا وعسكريا بهيمنة الخارج الطامع، ولا المرة الأولى التي يصطدم فيها الانفصال بالواقع.
أما فعليا، فلم ينجح الانفصال جغرافيا وتاريخيا وسكانيا، ظلت الأشطار يمنية، مهما زعموا غير ذلك. لا أدل من آخر تجربة، فرضها الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن والاحتلال التركي لشماله، بتوقيعهما معاهدة ترسيم حدود إقليمية ودولية لما تحت قبضتهما مطلع القرن الماضي..
الآن، هل سيستقر الحال، كما يزعم دعاة الانفصال؟ إنه في الواقع كلام يقال. سيظل مرامهم عصي المنال. سوف يستمر السجال، بين سلطات شطري البلاد ولن ينتهي الإشكال. على العكس ستتضاعف الأحمال، ومعها سيبقى التوتر على ذات المنوال، بفعل التحسس والالتهاب، والتوجس والارتياب.
معطيات الواقع تصدح بهذا المآل. تبرز فواعل عدة لتعذر استتباب الحكم واستقرار الحال. احتدام القتال بين سلطات شطري البلاد، سيظل واردا بكل حال، كلما تصادمت سياسات السلطات الحاكمة لهما مع مصالح الشعب وحاجاته المعيشية، المترابطة ارتباط السواحل والفيافي والجبال.
حدث هذا مرارا، على مدى المائتي عام الماضية. ظلت وقائع هذه الحقبة الزمنية تؤكد أن اليمنيين لحمة واحدة، تجمعهم هوية واحدة، وتجري في شرايينهم دماء واحدة من أوردة واحدة، كما تجري في قراهم ومدنهم أودية واحدة، تغذي بعضها البعض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
ليتهم فقط يطالعون خريطة الأودية. مثلما يطالعون خريطة حقول النفط والغاز والمعادن. حتى الأخيرة تفرض مراعاة أمور عدة، وأخذها على محمل جِدَة. ليس أقلها ظروف البيئة المجتمعية الحاضنة للثروات، وعوامل الاستقرار ومقومات الاستثمار، وخطوط الإنتاج والتصدير... الخ.
يغيب عن المتصدرين للمشهد بغلبة السلاح وجناية الانبطاح، وهذا الارتهان لقوى الخارج في بحثهم عن المخارج، من أزمات تنازع السلطة وتصارع النُخبة، هذا الترابط والتشابك. يغفلون أنه من التعقيد ما يفوق تصوراتهم وخيالاتهم الحالمة والمجافية للواقع وظروفه الواضحة وحقائقه الصادحة.
يتغافلون حقيقة أن تجزئة الدول ممكنة، لكن تجزئة الشعوب صعبة، وفي اليمن تحديدا. تركيبته السكانية متطابقة عرقيا، ومتشابكة قبليا، ومتلاقحة مجتمعيا، ومتداخلة جغرافيا، ومترابطة اقتصاديا، مهما بدت التنوعات الفكرية والمذهبية فقهيا وسياسيا؛ يظل منبعها واحدا ومصبها بسواقٍ واحدة.
يتناسون أن إنشاء الدول، يتطلب مشروعية الغاية وشرعية الوسيلة، وبصيرة بحقيقة أسباب الاعتلال ورؤية لمعالجة الاختلال، والاتفاق على مرجعية والتوافق على منهجية، تزيل ولا تطيل مسببات الشقاق، وتُعدم ولا تعمم احتمالات الإخفاق. تظل كامنة في وحدة الكيان، وسيادة الدولة والقانون، وكرامة الإنسان.

أترك تعليقاً

التعليقات