أيقونة العفة
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تلقى أعداء القيم النبيلة والمُثل الفضيلة، ودعاة التفسخ والانحلال، مبررو الانفلات ومجملو الانحراف، ومسوغو التفريط بالكرامة والتساهل في العفة والتنازل عن الشرف، مَن يزينون الرذيلة والانبطاح في أوحالها بزعم الانفتاح؛ صدمة قوية، وصفعة مدوية، وهزيمة كبيرة، في اليمن تؤكد أصالة إيمان شعبه، وصموده بوجه محاولات مسخه.
حدث هذا حين شحذت يمنية حرة، ببسالة مُرة، سيف الكرامة والشرف والعفة بوجه محاولة المساس بها، وأحظت قيمة كل منها، بعدما استهانت بها موجة بل لوثة، تسويغ التفريط بهما بمبررات وقحة وأعذار فجة، درجت فتيات في مجتمعنا، مؤخرا، على ترديدها بطمأنينة فاجرة في تعليل انحرافهن إلى ممارسات سافلة، وتمرغهن بوحل العار.
دفعت هذه اليمنية الحرة، واسمها رباب أحمد علي بدير، ذات الخمسة وعشرين ربيعا، وأم الطفلين محمد وميار؛ ثمنا باهظا لصون الأغلى: شرفها وعفتها وطهرها، وقررت في لحظة فارقة، افتداء شرفها وعفتها، فبذلت دون تردد حياتها وبكل بسالة وشجاعة، لمنع انتهاك عرضها أو اغتصابها، من أحد الأنذال، الذين شذوا عن القاعدة العامة.
تابع الجميع بإكبار وافتخار واعتزاز، صنيع رباب حين بدأ سائق شاذ لحافلة ركاب، في مدينة يريم بمحافظة ذمار، التحرش بها جنسيا، وكيف أنها بمجرد أن بدأ تغيير خط سيره، واتخذت قرارها الشجاع وألقت بجسدها الطاهر، من باب الحافلة وهي مسرعة، ليرتطم رأسها الكريم بالأرض وتفارق الحياة كما عاشتها حرة شريفة، وأبية عفيفة.
إنها تضحية غالية، لا تكون إلا من حرة مؤمنة عفيفة طاهرة. أدركت رباب بنشأتها السوية، على قيم النقاء والطهر ومُثل الكرامة والعفة، أن الشرف لا يدانيه شيء، وأنه أغلى من كل شيء، ودونه الموت أشرف، عند الله وبين خلقه، وهو ما كان. وقف الجميع لرباب إجلالا وتوقيرا، وفخرا واعتزازا، مثلما وقفوا جميعهم غرماء للجاني الحقير.
لا أشك في سير مجرى العدالة وجعل الجاني عبرة لكل سافل وضيع مثله، ظن أن الشرف غدا رخيصا، والتضحية في سبيل صونه صارت عبثا، في زمن الحرب والعوز والفقر والجوع. لا أعني الحرب العدوانية الشاملة التي يشنها تحالف الجرم والعدوان، للسنة الثامنة على التوالي، بل أيضاً “الحرب الناعمة” الأخبث والأخطر على الإطلاق.
ردت #شهيدة_العفاف، كما هي حال السواد الأعظم من اليمنيات، على هذه الحرب المُفسدة للقيم والأخلاق والعقيدة، والماسخة لكل رادع وزاجر لأهواء النفس الأمارة بالسوء. أكدت هزيمة هذه الحرب الخبيثة متعددة الوسائل والأساليب والوسائط، وأن دون انتصارها يقف شعب مؤمن، عزيز وأبي، لا يقبل التفريط بكرامته أو شرفه ويهون الموت عنده، دونهما.
استحقت رباب اليمنية، أن تكون أيقونة للعفاف، ليس يمنيا فحسب، بل وعربيا، مثلما استحقت حفاوة الإكبار والافتخار بصنيعها، والاعتزاز بطهرها وعفتها، والإجلال لتضحيتها بحياتها على أن يمس شرفها أو يهتك عرضها أو يدنس. وأحسب أنها ستظل أنموذجاً لكل فتاة وامرأة، حاصرتها موجة المسخ ولوثة الإفساد، في علو مقام الطهر والعفة ووضاعة ما دونهما.
لم تمت رباب، وإن انتقلت روحها إلى بارئها طاهرة عفيفة تقية مؤمنة. مثلها تظل خالدة دائمة الحياة في الدنيا، بما أحيته تضحيتها في مجتمعها، ولعمري إنها كمن أحيت الناس جميعا، بإحيائها وتأكيدها على قيمة تلزم الإنسان للعيش في الحياة الدنيا بكرامة وعزة، وللنجاة في الحياة الأخرى من سعير جهنم وعذاب الآخرة، أجارنا الله وإياكم منه وجعلنا من الفائزين بجنة الله.

أترك تعليقاً

التعليقات