رد الأرض!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
أظهرت الأمطار الغزيرة التي يتواصل هطولها بفضل الله على عموم اليمن، المستور سياسيا، وكشفت للعيان على نحو مكتمل البيان، كيف أن جغرافيا هذه البلاد عضوية، لا تقبل الفصم أو الفصل أو التقسيم، لأنها لا تستقيم إلا وحدة كلية، ما لم فإن شرايينها ستتقطع ويموت الكل.
هذا ما يُعرف بعلم "الجيوبوليتيك" أو الجغرافيا السياسية، الذي يُعنى بدراسة علاقة التأثير والتأثر بين الجغرافيا والسياسة بصفة عامة، ويبحث تأثير الجغرافيا على السياسة بوجه خاص، بمعنى "الطريقة التي تؤثر بها المساحة والتضاريس والمناخ على أحوال الدول والناس".
حدث هذا الكشف، في سيول الوديان، الشبيهة تماما لحركة الإنسان، في هذا المكان المسمى اليمان، أو اليمن. يغيب عن كثيرين كيف أن الوديان بمثابة الشرايين لجسم اليمن، وكيف أنها متصلة بإتقان، وتضمن جريان سيول الأمطار من جبال اليمن حتى تصب في البحار.
يتجاهل كثير من الطامحين إلى الحكم والرئاسة حتى ولو لمديرية أو محافظة أو اثنتين، أن مصبات هذه الوديان واحدة، وتجري مياهها في قنوات متشابكة الوثاق في طول وعرض اليمن، وأن غالبية هذه الوديان تنبع من جبال أقصى شمال اليمن وغربه لتصب في شرقه وجنوبه.
تلك حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها أو المزايدة عليها، أو حجبها على الأجيال الناشئة، بمغالطاته وأحقاده ذات النزعة العنصرية المناطقية التي يعمد إلى بث سمومها على مسامع القاصرين والأغرار والشباب الناشئين، ليل نهار، بدعاوى وترهات "الجنوب العربي" و"الشمال اليمني".
حقيقة يتجاهلها البعض عمدا، ليعمي أبصار قاصري الوعي ويغشي أفئدتهم بترهات وأحقاد لا أساس لها أو سند واقعي أو جغرافي، عدا منطلقاتها السياسية وطموحات الحكم والرئاسة، والاستفراد بالسلطة والاستئثار بالثروة، نهبا وفيدا كما هو الحاصل الآن في مربعات السلطات المُحدثة.
يتغابى ويتغافل هؤلاء المنكرون لحقائق التاريخ والجغرافيا، فضلا عن حقائق الهوية الواحدة، واللغة الواحدة وقلمها الموحد (المسند) منذ آلاف السنين، ورسالات دين الله الواحد، أيضاً منذ حنيفية هود وإبراهيم مرورا برسالة موسى وسليمان والمسيح عيسى وصولا لرسالة محمد، عليهم الصلاة والسلام.
ولو فكر هؤلاء للحظة في مقومات قيام دولة، وتأمل في مفردات الجغرافيا السياسية المؤلفة من ثلاثية تقليدية هي "الأرض والأمة (الشعب) والدولة (نظام الحكم)"؛ لكانوا اهتدوا إلى حقيقة أنه لا يمكن فصم الأرض اليمنية بما هي عليه من تضاريس متنوعة إنما متكاملة ومتداخلة ومترابطة، ترابط أعضاء البدن الواحد.
تعتمد الجغرافيا السياسية في الأساس -كما يعرفها علماء السياسة- على قدرة الدول (الأنظمة الحاكمة) وتمكنها من تطويع التضاريس وفهم الإمكانات الاقتصادية والبشرية لإدراك الموارد المتاحة وبناء خطط التنمية، وبما يجعل هذه الدول ناهضة مكتفية معتمدة على ذاتها في تحقيق رفاه شعوبها.
وفي جانب المياه، سيول الأمطار ووديان اليمن المتشابكة كشرايين الإنسان؛ كان يمكن لهؤلاء بشيء من التأمل أن يهتدوا لاستحالة استقامة الحياة في أجزاء من اليمن دون أخرى، فمصبات مياه جميع الأجزاء واحدة ومتداخلة، فروافد أودية مأرب تسير حتى حضرموت، وروافد أودية إب تعبر أبين ولحج، وهكذا.
من الغباء أن يظن أي سياسي أو طامح إلى الحكم، للحظة، أن الاستحواذ على حقول النفط والغاز ومناجم المعادن والمحاجر، يكفي لقيام دولة. فالمياه إكسير الحياة، وأي خلافات بين جهات اليمن، مشحونة بهذا الكم من الكراهية والمقت الذي يغذونه، يعني اندلاع حرب مياه قاتلة للبشر وعادمة للحياة.

أترك تعليقاً

التعليقات