فرقان اليمن
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تبرز دائما بين العِزّة والذِّلّة معادلة الرِّفعة والضِّعة. الكرامة والمهانة، الشهامة والنذالة، الأمانة والخيانة، المواقف الشجاعة والجبانة. تلك حقيقة ثابتة، وبين الإفهام والإيهام مسافة شاسعة عنوانها الحقيقة والفرية، ومتنها الإقدام والإحجام، والحكم الفصل بينهما يعتمد الحجة والبينة.
ذلك هو الحاصل الآن والماثل للعيان. بيان الفرق بين يمن الإيمان، ويمن الارتهان. شتان بين الموقف واللاموقف، يعتمد الحسم بينهما الحرية والعبودية، وأن تكون إنسانا حرا سويا فأنت مستقل الإرادة، وتبعا الرأي والموقف والقرار، واتخاذ الفعل واختيار المسار، والعكس صحيح.
يظل «الصدق منجاة» كما الكذب مهلكة. لا يحتاج الصدق إلى بيان، فالأفعال للأقوال برهان. على العكس هو الكذب والنفاق، يحتاج للتبرير ومحاولات فتل حبله القصير بمزيد من الكذب، لكنه سرعان ما ينكشف للعيان. الإيمان الراسخ تجسده الأفعال قبل الأقوال، بعكس البهتان.
هذه الحقائق أكدها وأجلاها العدوان الصهيوني المتواصل على قبلة العزة العربية والإسلامية، غزة فلسطين. وجسدتها المواقف بجلاء لكل إنسان. لا يحتمل الأمر لبسا أو التباسا، ولا يقبل شكا أو تشكيكا. شاء الله أن يكون هذا العدوان بمثابة الفرقان، بين الإيمان والبهتان.
برز الفرق الكبير والمهول بين الفاعل والمفعول. وشتان بين الجار والمجرور، كذلك حال البشر المنظور. ظهر جليا البون الشاسع بين الغيور والمغرور، ومَن يملك إرادته ومسلوب الإرادة. مَن يملك القرار ومَن لا يملك سوى التمظهر أمام عدسات الإشهار، والغرغرة بكلام مله التكرار.
أجلت الأحداث الفرق بين طبع الأحرار والأجرار، ومنطق الأبرار والفجار، ونهج الأخيار والأشرار. بين من ينحاز للحق ويسارع للانتصار، ومَن ينحاز للباطل ويبقى بخانة الانتظار، يلوك ترهات تنطلي على الأغرار، كأي بوق تغرير للإيجار، مهمته ترديد ما يمليه صاحب القرار!
بدا للعيان أن الفرق يشبه الفرق بين السيد والعبد. أظهر هذا الفرق الجلي، هذا المثال العملي، تباين الموقف حيال عدوان الكيان الصهيوني الغاشم وحصاره المجرم على مليوني فلسطيني، هم إخوتنا في الدم والدين والإنسانية بقطاع غزة في فلسطين المغتصبة بجناية تخاذل حكام الأمة.
لا وجه للمقارنة بمكان، بين إمكانات اليمن في ظروف حاله الراهن، وإمكانات 57 دولة عربية وإسلامية، اجتمع قادتها في «قمة» الرياض، واتفقوا على ارتياض الهوان، فخرجوا ببيان هزيل وموقف مخزٍ، جسد الخذلان، في أجلى صوره لشعب يباد بوحشية، وعلى رؤوس الأشهاد والعيان.
عبَّر البيان، بمخرجاته المسماة «مقررات»، عن حال الهوان للأمة العربية والإسلامية بجناية قادتها وهذا الارتهان لقوى الشر والهيمنة بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من داعمي الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل للمقدسات الإسلامية بفلسطين، والأراضي العربية في الشام.
في مقابل هذا الارتهان الكلي للخارج الغربي وهيمنة قوى الشر والعدوان، على حساب الامتهان الدامي للداخل العربي والإسلامي عموما، ومهانة الإنسان، جاء موقف اليمن الحر، والقيادة الثورية والسياسية، موقفا مسؤولا وصادقا، جادا ومؤثرا، عمليا ومُشرفا. أكد أن بالإمكان أفضل مما كان.
جموع اليمنيين كما سلطات اليمن الحر، ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، كانت سباقة إلى إعلان التأييد والمساندة للمقاومة الفلسطينية الباسلة في عملية «طوفان الأقصى»، وإعلان التنديد والإدانة للعدوان الصهيوني والدعم الأمريكي البريطاني السافر سياسيا وعسكريا وإعلاميا.
ليس هذا فحسب، امتد الأمر بطبيعة «ما يمليه الواجب الديني والأخلاقي والإنساني» إلى إعلان مشاركة اليمن في معركة القدس المقدسة، ودعم الشعب الفلسطيني وإسناد المقاومة الفلسطينية «بكل ما هو ممكن ومتاح دون تردد، حتى الصواريخ والطائرات المسيرة، بالتنسيق مع الإخوة المجاهدين».
لم يكن الأمر مجرد بيانات وخطابات للاستهلاك الإعلامي أو إعلانات للمزايدة والدعاية السياسية. سرعان ما ترجمت صنعاء موقفها فعليا باستمرار تظاهرات التضامن الشعبي الهادر، وإطلاق حملة نصرة الاقصى ماليا وإعلاميا واقتصاديا بسلاح المقاطعة، وعسكريا بإطلاق الصواريخ والمسيّرات.
على العكس، كان الموقف مخزيا جدا، من جانب «مجلس قيادة» الفصائل الموالية لتحالف العدوان. جاء انعكاسا حرفيا لتوجهات دول التحالف، المنقادة لدول الهيمنة والاستكبار الغربي و»الحلف الأنجلو-صهيوني» أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني، وخطتها لتصفية قضية فلسطين وحقوق شعبها!
سياسيا، جاء الموقف المعلن رماديا، يستنكر «التصعيد في غزة»! ويندد بـ»العمليات الإسرائيلية» وليس العدوان وجرائم الحرب والإبادة الجماعية، ويدين «إرهاب واستهداف المدنيين» بمن فيهم المستوطنون، ويدعو إلى «هدنة إنسانية مؤقتة وفتح منافذ لإدخال المساعدات، وإطلاق جميع الأسرى والرهائن»!
توج هذا الموقف المخزي وأكده رئيس «مجلس قيادة» الموالين للتحالف، رشاد العليمي في «قمة» الرياض. لم يصف ما يحدث عدوانا، بل «عمليات إسرائيلية»، وأنكر حق المقاومة الفلسطينية، بحصره تمثيل الفلسطينيين في منظمة فتح، وأيد التطبيع مع الكيان الصهيوني بإعلانه «التمسك بالمبادرة السعودية»!
وبجانب خلو هذا الخطاب السياسي المتخاذل، من أي إشارة إلى حق ومشروعية المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني؛ ظهر في عدن وجنوب اليمن، حظر أي تضامن شعبي مع فلسطين ومساندة للمقاومة الفلسطينية، بتظاهرات أو تبرعات، ومنع أي دعوات مقاطعة للمنتجات الداعمة للكيان الصهيوني!
ظهر أيضا تعميم سلطات التحالف وأدواته خطابا ضد المقاومة الفلسطينية يصفها «إرهابية» وأنها «مسؤولة عن التصعيد وتداعياته». جرى هذا عبر إعلام وسياسيي أدوات التحالف وخطباء المساجد، فأنزل أهالي عدن خطباء هاجموا المقاومة الفلسطينية، وأقالت السلطات خطباء ناصروا فلسطين ومقاومتها!
عسكريا أيضا، برز لافتا تصاعد لقاءات سفير أمريكا مع رئيس وأعضاء «مجلس القيادة» الموالين للتحالف، وكذا مع قيادة الجيش الأمريكي وهيئة أركانه، والاستنفار لاستئناف الحرب في اليمن وعليه، والانتشار للقوات والبحرية الأمريكية في اليمن ومياهه، بزعم «تأمين الملاحة الدولية من التهديدات الحوثية»!
وإعلاميا، انبرت وسائل إعلام وسياسيو هذه الفصائل، لمهاجمة تحركات اليمن «الحر» المالية والإعلامية والتشريعية والعسكرية، تشكيكا وسخرية، وتثبيطا وإرجافا، واستنكارا بدعوى «زعزعة أمن اليمن والمنطقة وتهديد الملاحة الدولية» رغم التزام سلطات صنعاء بحماية الملاحة طوال ثمان سنوات حرب!
قد يكون هذا الموقف مفاجئا لكثير من اليمنيين، لكنه ليس غريبا مِمن ارتهنوا للوصاية الخارجية، وفرطوا باستقلال بلادهم وسيادتها؛ أن يفرطوا بكل ما عداها خدمة لمصالح قوى الهيمنة الإقليمية والدولية مقابل مكاسب شخصية، مالية وسياسية، وآمال العودة لحكم اليمن من صنعاء لصالح القوى نفسها!

أترك تعليقاً

التعليقات