نشوة القتل!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيـم / لا ميديا -
ليس في الحياة ما هو أشد ظلما وقهراً من الموت غدراً، وعلى يد قاتل متربص يحاصرك بكل مكان، ولا تراه إلا حين يغتالك فجأة، أو في أحسن الأحوال يمزق أطرافك أشلاء مبعثرة، أو يفتق عينيك أو يخرق أذنيك، هكذا بلا ذنب لك عدا أن قدميك أخطأتا الموطئ! تلك مأساة تتكرر يومياً في أنحاء البلاد، بألغام وقنابل وصواريخ غير متفجرة، نثرها تحالف العدوان ومرتزقته، في عموم البلاد، ولم يكتف بهذا، بل مازال يمنع دخول معدات اكتشافها ونزعها قبل تفجرها!
تتغافل الأمم المتحدة ودول تحالف العدوان عن واجبها الأساس ومسؤوليتها المتجاوزة تصنع الأسى والتظاهر بالإحساس، حيال كارثة تتابع جرائم إعدام اليمنيين المدنيين بلا استثناء لأحد منهم، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، والاكتفاء بالتسابق على نشر أعداد الضحايا المتنامية، في مذبحة الكمائن الغادرة، المفخخة بالألغام والقنابل العنقودية والمقذوفات غير المتفجرة، والمنتشرة في كل قرية وعزلة ومدينة ومحافظة!.
وفقاً للمركز التنفيذي لبرنامج مكافحة الألغام في صنعاء، فإن “البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)، أبلغ المركز بتخفيض مخصصات الدعم هذا العام إلى 70٪ رغم أن نسبة 80٪ من الأراضي والسكان والتلوث تقع تحت سلطة حكومة الإنقاذ”. كما أنه “رفض تمويل نشاط المسح غير التقني في هذه الأراضي، وإدخال معدات المسح والكشف، ومعدات الحماية الشخصية للفرق، بل وحتى مستلزمات الإسعافات الأولية”!
من جانبه، لا يتوقف إعلام تحالف العدوان على اليمن ومرتزقته، عن الاحتفاء بوقائع سقوط ضحايا الألغام في البلاد، وتصنع الأسى الزائف، وذرف دموع التماسيح على الضحايا، والتعامل معهم بوصفهم أرقاما يحتاجها فقط في سعيه المحموم إلى “تسجيل النقاط” على من يتصدون لعدوانه المجرم بامتياز، بتجييره مسؤولية مقتل أو إصابات ضحايا الألغام إلى قوات الجيش واللجان الشعبية، من يسميهم “الحوثيين”.
لكن تحالف العدوان، ومرتزقته، يتجاهلون جرائمهم شبه اليومية، بحق المدنيين الأبرياء، المتساقطين قتلى وجرحى بانفجار القنابل العنقودية ومقذوفاتهم المتنوعة. يغطي تحالف العدوان على جرائمه بضجيج إعلامي صاخب، يتمحور في غاية التسويق الدعائي لجهود ما يسمى “برنامج مسام” السعودي و”وحدات الهندسة العسكرية” لمرتزقته في إزالة الألغام، واستعراض الصور نفسها لعمليات تفجيرها!
حسب إحصاءات المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في العاصمة صنعاء، فإنه “خلال الأعوام (2015-2021) تم اكتشاف وجمع 862.676 من مخلفات الحرب، بينها: 1597 لغما مضادا للأفراد، 5913 لغما مضادا للدبابات، 486.235 قذيفة متنوعة، 1524 قنبلة طيران، 1138 صاروخا ورأس صاروخ، ومليون و800 ألف قنبلة عنقودية، بدأ توثيقها وجمعها منذ 2018م فقط”.
الإحصاءات نفسها، تفيد بأن “ما تم توثيقه من الرصد العلني وبعض البيانات من وزارة الصحة وغيرها لضحايا الألغام والقنابل العنقودية من بداية العدوان حوالي 25 ألفا تقريباً، واعتماداً على وزارة الصحة فإن العدد أكبر بكثير ولكن يحتاج إلى مسح ميداني، ونتيجة امتناع الأمم المتحدة عن دعم هذا النشاط، فإن الضحايا الذين وثق المركز حالتهم فعلياً منذ بداية العدوان حوالي 4500 ضحية مكتمل البيانات”.
أرقام صادمة للمرصود فقط ويفوقها بكثير غير المحصور من ضحايا تفجر القنابل العنقودية والألغام والمقذوفات غير المتفجرة التي أمطر بها طيران التحالف وقواته ومرتزقته، أنحاء البلاد، طوال سبع سنوات ونصف من الإمعان في الإجرام، واستعراض هدف قتل أكبر عدد من الأبرياء ومحاصرتهم بالإعدام العاجل والآجل. وإلا فالقنابل العنقودية، أسلحة محرمة دوليا يُجرم استخدامها ضد المدنيين وتجمعاتهم.
لو لم يكن هدف تحالف العدوان، الإمعان في القتل والتنكيل باليمنيين، وكان صادقا في تباكيه الزائف على ضحايا الألغام في اليمن، لما منع دخول معدات كشف الألغام والقنابل العنقودية، ولكان وظف نزرا من مليارات الدولارات التي ينفقها بسخاء على تدمير اليمن وقتل اليمنيين، في استخدام تقنيات حديثة، فاعلة وناجعة، ومتاحة منذ بداية الألفية، للكشف المبكر والشامل عن مواقع الألغام والقنابل العنقودية غير المتفجرة.
مِن هذه التقنيات، أتذكر أني قرأت وكتبت أيضا منتصف عام 2004، عن شركة دنماركية تُدعى “آريزا” متخصصة في التكنولوجيا الحيوية، نجحت في إنتاج زهور طبيعية لكن معدلة وراثياً سمتها “ثيل كريس” وأعلنت عن برمجة بذورها ليتغير لون الزهور عند احتكاك جذورها بغاز ثاني أكسيد النيتروجين المتبخر من المتفجرات المدفونة في التربة. ما يجعلها بديلاً فاعلاً للعصا الإلكترونية والكواشف المعدنية والكلاب الخاصة.

أترك تعليقاً

التعليقات