اعقلوا!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يتناسى طامحو الرئاسة وطالبو الزعامة، على أي مساحة، أن إنشاء الدول، يتجاوز مجرد تصميم شعار وراية، وتعميم صفة وتسمية، وصياغة نشيد وتلحين نغمة، وامتلاك قوة وأسلحة، وفرض سلطة، وإعلان ثلة، وتشكيل حكومة، وصك عملة، وإصدار طوابع دمغة، وفرض ضريبة، وجباية ثروة!
لست وحدي مَن يقول هذا أو يتوهمه. وقائع تجارب عدة، ودورات احتراب مُرة، وتراكمات إعطاب جمة، هي مَن تقول هذا وتقدم دلائل حية، لما حدث مع قرابة 40 “دولة”، قامت على امتداد ربوع اليمن في أرجاء ومساحات مختلفة، خلال المائتي سنة الماضية، وظلت “الوحدة” عنوان دعواتها المُعلنة مآلات تجارب السابق، ودورات الاحتراب الماحق، وتراكمات الإعطاب الساحق، والتهابات الاضطراب الحارق، جميعها تؤكد أن الصراع لن ينحصر في أجنحة السلطة، وتنازع السلطة لن يقتصر على شمال وجنوب. على العكس، سيفتح الباب لنزاع أجد على شرق وغرب، وصراع أشد داخل كل شطر.
سيحدث هذا، ومقدماته ماثلة للعيان، بمجرد توافر مَن يتشدد في الداخل وتوافر مَن يشحذ في الخارج ويمدد، بالمال والسلاح، ومنابر الإعلام ودوائر الإيهام باستحالة الخلاص ما استمر التوحد، وتصوير “الخلاص” في مزيد من التمزق والتفرد والمزيد من صناديق القذائف والقنابل والمعابر والرصاص!
مع ذلك، تجدهم يصرون على المضي في الغي نفسه! تكرار الأخطاء نفسها، تدوير المآسي ذاتها، إضافة تراكمات جديدة لتكون حطب اضطرابات مستمرة، ودورات صراع واحتراب متلاحقة، وتداعيات كارثية إضافية، تضمن استفحال الوهن والضعف، واستمرار الشتات والتيه، واتساع العوز والحرمان!
لو تجرد طامحو الرئاسة وطالبو الزعامة، من أنانيتهم قليلا، واستعادوا استقلاليتهم قليلا، لأدركوا أن الأصل في قيام الدول، أربعة أركان رئيسة: السكان (الشعب)، الأرض (الجغرافيا)، النظام (الدستور)، والحكومة (الخدمة والدفاع). ولعرفوا مدى تعقيد ترابط وتشابك ركني الشعب والجغرافيا، في اليمن.
ليت أنهم لا يتغافلون حقيقة أن تجزئة الدول ممكنة، لكن تجزئة الشعوب صعبة، وفي اليمن تحديدا. تركيبته السكانية متطابقة عرقيا، ومتشابكة قبليا، ومتلاقحة مجتمعيا، ومتداخلة جغرافيا، ومترابطة اقتصاديا، مهما بدت التنوعات الفكرية والمذهبية فقهيا وسياسيا؛ يظل منبعها واحدا ومصبها بسواقٍ واحدة.
ليتهم لا يتناسون أن إنشاء الدول، يتطلب مشروعية الغاية وشرعية الوسيلة، وبصيرة بحقيقة أسباب الاعتلال ورؤية لمعالجة الاختلال، والاتفاق على مرجعية والتوافق على منهجية، تزيل ولا تطيل مسببات الشقاق، وتُعدم ولا تعمم احتمالات الإخفاق. تظل كامنة في وحدة الكيان، وسيادة الدولة والقانون، وكرامة الإنسان.

أترك تعليقاً

التعليقات