مفتاح الحرية
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
توهم تحالف العدوان أن اليمنيين بلغوا الرمق الأخير، صاروا بعد ثمان سنوات من الحصار والتدمير، منهكين حد النفور من النفير، عُزّل معدمين على الحصير، بلا عدد أو عتاد أو حتى همة لمواصلة المسير، في معركة التحرر من هوان التبعية ومهانة الهيمنة والوصاية. ظن أنهم باتوا أعجز ما يكونون عن تقرير المصير، وحسم الحرب بإنجاز التحرير. فبدأ يساومهم على حريتهم بأسلوب حقير.
يشبه حال اليمنيين مع تحالف العدوان حال مَن وقع في الأسر وظل سجانوه يتعاملون معه كأسد هصور، أثخن فيهم الجراح واستعصى على الانبطاح. فكفوا عن تعذيبه عدوانا وجوعا، سعيا منهم إلى غَرِّه بنعيم زائف وإفتار عزمه على انتزاع حريته كاملة، وحصر غايته في مجرد البقاء حيا، ووضعوه أمام ثلاث وسائل نجاة: مفتاح السجن، ومال، وطعام ظل المعتدون يسجنون بحصارهم قرابة 20 مليون يمني، يقيدون إمدادهم بالغذاء والماء والدواء إلا ما يبقيهم أحياء على الكفاف في حده الأدنى، ثم قرروا إعلان خدعة سموها “هدنة”، في سبيل إخماد معارك المقاومة والمواجهة لهم، مقابل رفع جزئي للحصار وإيقاف مؤقت لجرائم التنكيل بهم، قتلا وجرحا، تشريدا وتمزيقا، وإفقارا وتجويعا.
اقترن هذا مع بدء عدوان “عاصفة الجُرم” ضمن خطة ترويض، ينفذها خبراء في الغزو والاحتلال متمرسون على السطو والاستغلال ونهب ثروات الأوطان وسلب سيادتها واغتصاب أراضيها واستغلال مواقعها، بإذلال شعوبها وكسر إرادتها وفصم عُرَاها، على قاعدة “فَرِّق تَسُد” وأجِع تَقُد وجَهِّل تستبد، وصولاً إلى إخضاعها وفرض رضاها بالمحتل وطاعته!
منهاج باطل لنهج ماثل، تجملهما ترسانة إيهام تدعى “إعلام”، مهمتها تزوير الواقع وتحوير الوقائع، ممارسة التضليل وخداع التغرير، وتعطيل مقدرة التفكير، وتبعا التخدير لإرادة التغيير، وتجميد همة التدبير، وتأخير شعلة التحرير. حدث هذا في غير زمان ومكان، ومازال يحدث الآن. ولنا في “هدنة” تحالف العدوان، بنودا وغاية، مثال واضح للعيان.
لم يعمد تحالف العدوان، وكما بغاة وطغاة ولصوص كل زمان، إلى جعل هذا الإيقاف لعدوانه دائماً والرفع لحصاره كاملا. تعمد أن يكون جزئياً مؤقتاً بمقدار وأمد محددين “قابل للتجديد”! فسحة تسنح لترتيب أوراقه، وتسمح بترويض اليمنيين وقيادتهم، باتجاه الرضوخ المنشود. عرض رخيص يضع أمام اليمنيين ثلاث وسائل نجاة: مفتاح السجن، أموال، طعام!
ولما كان الحصار شاملا، برا وبحرا وجوا، وجائرا دون مسوغ بأي شريعة أو شِرعة، وتجاوز الأمد المتوقع لتحقيق أهدافه بسنوات، رغم تسببه في إفقار عام وإيهان تام لمعظم هذا الشعب؛ فقد ظل يزيد رهان المعتدين على تفاقم الاحتقان وانكسار الصمود من الداخل وتوقف قوافل الشعب لرفد جبهات النضال بالمال والسلاح والغذاء والرجال.
لكن النتائج غير المتوقعة أن هذا الانكسار لم يحدث. على العكس تماماً ظل العدوان الغاشم والحصار الظالم يشحذان صمود اليمنيين وثباتهم، يزيدان إصرارهم على استرجاع الحرية من مخالب البغاة، وانتزاع الاستقلال من أنياب الطغاة، واسترداد السيادة كاملة غير منقوصة من محور الهيمنة والشر، مهما كان الثمن وكان حجم التضحيات.
هذا ما حدث. فاجأ اليمنيون وقيادتهم الجميع بأنهم اختاروا “مفتاح الحرية”. لم يكترثوا لإغراءات الأموال، ورفضوا مساومتهم باستئناف صرف رواتب الموظفين الموقوفة ظلما والمصادرة نهبا وما تسمى “التعويضات وإعادة الإعمار والدعم الاقتصادي”، مثلما لم يأبهوا بعروض إلغاء تخفيض منح المال لمخصصات وكميات سلال الإذلال المسماة “إغاثة”.
تجلى هذا الاختيار الواعي من اليمنيين، في توازي جهاد الفداء والبناء لمقومات الدولة الحرة المستقلة والناهضة كاملة السيادة، رغم كل الظروف المفروضة والمانعة العادمة. كان هذا ومايزال ماثلاً بنسب نجاح وإنجاز متفاوتة في مختلف ميادين أركان أي دولة، وعلى رأسها ركن امتلاك قوة الدفاع والردع، جسدتها وقائع المواجهة والعروض العسكرية المتتابعة.

أترك تعليقاً

التعليقات