مناورات مُودِع
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تعيد مجريات الحراك الدبلوماسي الأمريكي والبريطاني وتصريحات خارجيتي الدولتين وسفيريهما، إلى الأذهان، مناورات «بريطانيا العظمى» طوال سنوات النضال اليمني المسلح في جنوب البلاد منذ 14 أكتوبر 1963 وحتى 30 نوفمبر 1967م.
ظلت وزارة «المستعمرات» البريطانية تبذل كل مهاراتها وحيلها لإفراغ الثورة من مضمونها، وضمان استدامة مصالحها في عدن وجنوب اليمن، عقب إجهاض الثورة مسخها المسمى «اتحاد الجنوب العربي»، للإيهام باستقلال شكلي يبقي هيمنتها.
حرصت بريطانيا على استخدام كل ثقلها وترسانتها العسكرية الأعتى والأقوى عالميا آنذاك في قمع الثورة والإجهاز عليها عبر حملات الاعتقالات وتصعيد غاراتها الجوية الإجرامية وارتكاب مجازر الترويع والإرهاب للأهالي لكبح تنامي طوفان الثورة.
في الوقت نفسه، حرصت بريطانيا على إبقاء مسار سياسي مفتوح مع الحركات الثورية في جنوب اليمن، وعمدت إلى محاولات شتى للوقيعة بين هذه الحركات، وإطالة أمد المفاوضات، رغم اضطرارها إلى الإعلان عن قرار الانسحاب بعد عامين على الثورة.
شهدت جولات التفاوض مع بريطانيا، صنوفا شتى من المراوغة والمناورة والمساومة، وتضمنت عروضا مغرية خادعة بالتكفل بنفقات جيش دولة الاستقلال في جنوب اليمن وموازنة حكومتها، مقابل توقيع معاهدة صداقة (وصاية) تضمن انشطار اليمن وبقاء مصالحها.
حاولت بريطانيا اللعب على ورقة «الأقليات والهويات» التي عملت طوال 128 عاما على اختلاقها وتغذيتها بتفريخ 23 سلطنة ومشيخة وإمارة في جنوب اليمن، واستقدام عشرات الجاليات الأجنبية للاستثمار والعمل في عدن بامتيازات مغرية تشمل الجنسية والتملك.
وسعت وزارة «المستعمرات» البريطانية إلى إبقاء هيمنتها على عدن، بعقود استئجار مينائها أو ضمها إلى «رابطة دول الكومنولث» التي تبقي وصاية بريطانية على ما كان يسمى «المستعمرات البريطانية» من البلدان والجزر التي ظلت ترزح تحت الاحتلال البريطاني.
في مقابل الرفض، عرضت إبقاء حامية عسكرية في جزر يمنية استراتيجية وبخاصة ميون (بريم) وجزيرتي عبدكوري وموري بأرخبيل سقطرى وغيرها بدعوى حماية الملاحة الدولية، لدرجة أنها سعت لتزوير وثائق تزعم ملكية جزر عبدكوري وموري اليمنية لسلطان مسقط!
تمسك وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان الشعبي، بمطالبه التي أوجزها بمؤتمر صحافي في: تحقيق الاستقلال الفوري، وانتقال السيادة إلى الحكومة الوطنية والتأكيد على وحدة أراضي الجنوب اليمني بما في ذلك الجزر، ورفض الاتفاقيات العسكرية بما في ذلك الدفاعية».
كما تضمنت المطالب «أن تقوم بريطانيا بتسليم ممتلكات الجيش البريطاني في الجنوب إلى الحكومة الجديدة، ورفض الأحلاف السياسية، والانضمام إلى «الكومنولث البريطاني» وإنهاء كل المعاهدات والاتفاقات السابقة، ورفض القيود الاقتصادية والمالية، ودفع التعويضات».
وذلك ما كان بقوة الثورة الشعبية المسلحة التي كانت تكبد بريطانيا في كل يوم خسائر بشرية ومادية ومعنوية كبيرة، أرغمتها على إلغاء طموحاتها أو تأجيلها -على الأقل- والانسحاب من عدن وجنوب اليمن، وإن كانت دقت مسمارا بريطانيا، بتشطير اليمن وتفخيخ جنوبه.

أترك تعليقاً

التعليقات