استحمارات!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

غــــدا مسمـــــى "استخبــــــارات" أو "مخابرات"، بالنظر للسلوك الأمريكي، بمثابة "إشهارات" لتوجهات معينة و"استحضارات" لإجراءات مبيتة. من ذلك -مثلاً لا حصراً- إعلان وكالة الاستخبارات الأمريكية بداية مايو الماضي عن "معلومات استخباراتية حول هجمات إيرانية مرتقبة في المنطقة".
لم تكد ترسانة الإعلام الأمريكي، الجندي المخلص لوكالات الاستخبارات الأمريكية، تروج للخبر بصيغة "تحذيرات" مطلع مايو، حتى كانت الهجمات على السفن قبالة ميناء الفجيرة في الإمارات منتصف مايو الماضي، وصولاً إلى تفجير ناقلتين نفطيتين في مياه خليج عُمان، قبل أيام.
لا يبدو الأمر نشاطاً استخباراتياً بمعناه التجسسي الكاشف مسبقاً عن أحداث أو اعتداءات ستقع، بقدر ما بدا ويبدو استحضارات لأحداث وإجراءات مبيتة، وإلا لكان الكشف عن الاستعدادات للهجمات كفيلاً بمنع وقوعها، باتخاذ جملة تدابير حماية استثنائية منيعة، تفشل مخطط الهجمات.
لكن ما حدث ويحدث على العكس تماماً، فهو يسوق المبررات لتوجهات سياسية معقودة، شبه معلنة، تحشد بدورها لإجراءات عسكرية مبيتة، تبحث فقط عن ذرائع سياسية، تسوغ لتنفيذها الجاري منذ فترة تحشيد الرأي العام الأمريكي أولاً، والدولي ثانياً، والإقليمي ثالثاً، مع اختلاف غاية التحشيد.. غاية تحشيد الرأي العام للضربة الأمريكية المرتقبة ضد إيران، تختلف باختلاف النطاق الجغرافي، فتحشيد الرأي العام الأمريكي، غايته تبرير اكتساب تأييد دافعي الضرائب، وتحشيد الرأي العام الدولي غايته تسويغ الموقف الأمريكي بوصفه محقاً وهدفه حماية "الأمن والسلام الدولي".
أما غاية تحشيد الرأي العام الإقليمي، فغايته كسر التضامن القومي وتوسيع انقسامه الحاصل، على مستوى الأنظمة إلى أوساط الشعوب، وفصم عروة التضامن الإسلامي، ليغدو منقسماً هو الآخر بين بلد إسلامي يموّل ويؤيد الاعتداء على بلد إسلامي، بذريعة "الدفاع الإسلامي" أيضاً!
النتيجة، بنهاية المطاف، هي هدر طاقات دول المنطقة العربية والإسلامية، وتبديد مواردها، في حرب لا مستفيد منها، عدا قوى الاستكبار الغربي المستنزف للنفط الخليجي وتاجر الأسلحة، وبالطبع دولة الكيان الصهيوني، المشرف العام على تفتيت مقدرات العرب وإنهاك دولهم وشعوبهم.
لسنا إذن، أمام حقائق مصدرها "استخبارات" وطابعها "تحذيرات" وغايتها "احترازات"، بل أمام "إشهارات" لتوجهات معقودة، مصدرها "إدارات" معلومة، وطابعها "استحضارات" لإجراءات مبيتة، وغايتها "استحمارات" لشعوب المنطقة من ناحية و"استنزافات" لمقدراتها، وانهيارات حتمية.
المؤسف حد الكمد، هو أن الأمر ليس أول من نوعه، ولا مُحَدّثاً في أهدافه، ولا جديداً في أساليبه، بل هو مكرور، ومعمد ومعزز لأهدافه نفسها، وقديم في أساليبه وأدواته، كما يروي لنا التاريخ الحديث، حيثيات ومجريات حروب الخليج: الأولى (1980) والثانية (1990) والثالثة (2003)!
لذلك، تبدو مخرجات حرب الخليج "الرابعة" الجاري قرع طبولها، معلومة سلفاً، بمعرفة مكتسبات قوى الهيمنة الكبرى ودولة الكيان الصهيوني، من حروب الخليج الثلاث الماضية، وجائحة "الربيع العبري" وتداعياتها، مع فارق أن عنوان المخرجات هذه المرة: تصفية قضية فلسطين.

أترك تعليقاً

التعليقات