صراف الأزهــر!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

تريثت عمداً في كتابة هذا المقال، والتعليق على موضوعه، توخياً لتجنب الانفعال الآني، وانعكاساته العاطفية على موضوعية الطرح.. وليس الحياد، فالأخير، بنظري لا يكون إلا لله تعالى، وأنبيائه ورسله المعصومين، أما البشر فأرى أنهم مجبولون على الانحياز، حتى في طريق تعامل الأب والأم مع أولادهما، مهما حرصا على المساواة لا بد أن يظهر انحياز ولو حتى في نبرة مخطابة للبكر أو آخر العنقود.
بعد هذه التوطئة، أقول وأجري على الله: سبحان من أنطق البشر والحجر والطير والشجر.. مشيخة الأزهر "الشريف" والله أعلم، تعبر عن "إدانتها واستنكارها الشديدين للهجوم الإرهابي على منشآت شركة أرامكو النفطية في السعودية"، وتعتبر "مثل هذه الأعمال التي تستهدف النيل من أمن واستقرار السعودية، أعمالاً إجرامية وإرهابية بغيضة ترفضها الأديان السماوية وكل الأعراف والقوانين والمبادئ الإنسانية"!
لا يا شيخ "والنبي".. منك صدق يعني؟! هذه ليست السقطة الأولى للأزهر. سبقتها -مع الأسف- سقطات عدة في وحل الانقياد السياسي تبعاً للتمويل المالي، وإلا لم تجاهل، وهو مشيخية فقهية في الأصل، لا هيئة سياسية حكومية ولا منظمة سياسية حزبية، ولا حتى مركز للدراسات السياسية، وليس له أية علاقة بالشؤون والنزاعات السياسية... لم تجاهل أن هذا الهجوم يأتي ضمن حرب قائمة، أي أنه هجوم عسكري لا إرهابي؟
طبعاً، إدانات هجوم الطيران المسير على منشآت نفطية سعودية، أظهرت -كما هي العادة- "شبكة تمويلات النظام السعودي"، فقد تجاوزت جهات الإدانات حكومات الدول، إلى هيئات غير رسمية، مثل البرلمان العربي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومشيخة الأزهر في مصر، التي سارعت إلى إصدار فتوى في بيان لها بأن الهجوم "عمل إرهابي إجرامي بغيض ترفضه الأديان السماوية وكل الأعراف والقوانين والمبادئ الإنسانية"!
الأزهر نفسه، التزم الصمت و"بلع لسانه" كما يقال، مع كل غارة لطيران التحالف تقصف أحياء سكنية ومرافق مدنية، وتوقع ضحايا مدنيين من الأطفال والنساء، وتسفك الدماء والأرواح البريئة بغير حق، وتقتل النفس التي حرم الله إثماً وعدواناً.. كل هذه الجرائم المتكررة من طيران التحالف طوال 4 سنوات، لم ترتقِ إلى استفزاز حفيظة الأزهر واستدعاء غيرته، واستصدار تعليق له، مجرد التعليق عليها.
لا تعليق من مشيخة الأزهر على مثل هذه الجرائم المصنفة في كل الأديان السماوية وكل الأعراف والقوانين والمبادئ الإنسانية عدواناً باغياً، واعتداء سافراً، وجرائم حرب كاملة الأركان. لم يعلق عليها، وآخرها جريمة قصف حي الرقاص وسط العاصمة صنعاء، والاستهداف المباشر لمنازل لا مواقع عسكرية، منازل مدنيين، عمارة سكنية، وقتل وجرح نحو 70 مدنياً، جلهم من الأطفال والنساء، بل معاقين أيضاً!
هذا الصمت العجيب، والمعيب أيضاً، عن قول كلمة الحق، ولو حتى بصيغ دبلوماسية تدعو إلى "مزيد من التحري واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب استهداف المدنيين"، أو حتى "اتخاذ التدابير اللازمة للتقليل من الضحايا المدنيين"، كما تقول إدانات بعض الحكومة والمنظمات من دون خجل أو وجل. مثل هذا الصمت يغدو حجة على مشيخة الأزهر ومن شاكلها وسار في فلكها، تدينه بالنفاق دينياً وسياسياً.
يحدث أن تبادر مشيخة الأزهر إلى إدانة كثير من الهجمات والتفجيرات الإرهابية حول العالم، وأتذكر أنه في 2016م، عبر عن "إدانته واستنكاره الشديدين للهجوم الإرهابي على كنيسة سانت إتيان دو روفراي في فرنسا".. وأكد "أن منفذي هذا الهجوم الوحشي قد تجردوا من كل معاني الإنسانية ومن كل القيم والمبادئ الإسلامية السمحة التي تدعو للسلم وعصمة دماء الأبرياء دون تفرقة بسبب الدين أو اللون أو الجنس أو العرق"!
آه.. "الأزهر" نفسه وشيخه بذاته أدانا بالشدة نفسها والحمية "زاتها" مهاجمة مركز تسوق بألمانيا، ومطعم في دكا ببنجلادش، وهجوم حافلة "نيس" بفرنسا، والتفجيرات الرباعية في السعودية نهاية رمضان، وقبلها تفجير مسجدين بالقطيف والأحساء، وتفجيرات إسطنبول، وكل التفجيرات في العالم تقريباً يدينها الأزهر وشيخه، باستثناء التفجيرات الإرهابية بالعراق وسوريا واليمن، إلا ما كان يستهدف ما يُسمى سياسياً "السنة"!
يا نهار اسود، معقولة الكلام ده؟! آه والله، الأزهر "الشريف" وشيخه، لم يدينا ولم يستنكرا أو يستهجنا أو حتى يعاتبا منفذي تلك التفجيرات التي حصدت 1000 قتيل وجريح في مساجد "بدر" و"الحشحوش" و"الكبسي" و"القبة الخضراء" و"قبة المهدي" و"البليلي" و"المؤيد" في صنعاء، خلال 6 أشهر، ولا مجازر قصف التحالف اليمن وقتل وجرح الأطفال والنساء الأبرياء طوال 4 سنوات ونيف، وحتى اليوم!
تصور يا عالم، مجازر قصف طيران التحالف السعودي مخيمات النازحين وحفلات الزفاف والأسواق الشعبية والمدارس ودار المكفوفين ومدينة عمال محطة كهرباء المخا وغيرها من المدن السكنية في عموم اليمن، وضحايا قنبلتي حي "عطان" وحي "نقم" السكنيين، وقصف مستشفيات بما فيها التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود" و"الصليب الأحمر"، ولا أية مجزرة بشعة استوقفت سماحتهما واستثارت حميتهما وشرفهما!
وده مش معناه أبداً أن الأزهر "الشريف جداً" وشيخه "الجليل" خالص، غافلان عن اليمن، أو لا يعلمان بوجود بلد يدعى اليمن.. آه واخد بالك، فقد أدانا بقوة واستنكرا بشدة مؤامرة دس "قصيدة" تنطوي على تعريض بإساءة لأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، في صحيفة "الثورة"، من دون علم هيئتها، وشنعا بها رغم توضيح ملابسات النشر وتصدير صفحتها الأولى تاني يوم بتنويه واعتذار تغافله الأزهر وشيخه!
مش بس كده. كمان الأزهر "الشريف" خالص خالص، وشيخه "الجليل أوي أوي" أدانا بشدة شديدة وحمية محمومة وغيرة محروقة، زعم استهداف مكة، وقبله قصف معسكر لقوات تابعة للتحالف، تظل أجنبية في مأرب، وبعثا ببرقية عزاء حزينة جداً في صرعى قوات التحالف السعودي في "مهلكة صحن الجن" بمدينة مأرب اليمنية! وأفتيا يومها أيضاً بأنهم "شهداء الدفاع عن دين الله ورفع راية الإسلام والعروبة".. آه والنبي هو ده!
تلك إحدى مشكلات عالمنا العربي والإسلامي، أن الأحداث تظهر نُخبه، بأنها "خمة"، ابتليت بها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فغدت "نكبة" لها، إذ هي تتبع "السلطة" وتنشد "العملة"، وتحور الرؤية، وتزور الحقيقة، تلوي عنقها وتخنقها، وتثبط "الهمة"، وتعمم الخيبة، وتؤصل النكسة، وتشيع الغفلة عن حقيقة تحديات الأمة، وتلهي الأمة عن المهمة الفعلية، بجدليات "إرضاع الكبير" وشؤون "ما تحت السرة"!

أترك تعليقاً

التعليقات