تساقط الهلام
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يتساقط يوما تلو آخر، هلام ما تسمى «شرعية هادي» في المحافظات والمناطق المسماة «محررة» رغم كونها خاضعة لقوات تحالف الحرب السعودي الإماراتي ومليشياته المحلية على اختلاف ولاءاتها. وهو تساقط طبيعي لإسقاط الدولة وسيادتها وانفراط عقد وظائفها وواجباتها. ولعل أبرز نموذجين لهذا السقوط ما يجري في عدن وتعز.
فعليا، سقوط «شرعية هادي» تحصيل حاصل للعمالة والخيانة، وقد شهدناه جميعنا في العام 2014م، حين تسيد البلاد انفلات دام وتدهور عام وانهيار تام لمؤسسات الدولة وغياب تام لوظائفها، تصاعدت معه الاغتيالات والتفجيرات والتقطعات والاختطافات، حدا عمم الفوضى وأحلها محل مفردات النظام، وعوم الفساد وجعله حاكما عاما!
وعمليا، كان السقوط جليا للعيان، بتسليم «هادي» وحكومته البلاد لمجلس وصاية «السفراء العشرة»، وطلبهما السافر إدراج اليمن تحت «الفصل السابع» لميثاق الأمم المتحدة، تمهيدا لفرض «مفخخات الحوار» واقعا عبر «فهلوة» قرارات السلطة الحاكمة بسطوة «الوصاية» الخارجية، ثم عبر «خيانة» السلطة الهاربة وتسويغ «عاصفة الجرم» والارتهان العلني للخارج.
لكن الجديد أن شماعة «شرعية هادي» هي الأخرى سقطت سقوطا ذريعا، ظل متوقعا وحتميا، ومن الشعب أيضاً. حدث هذا مجددا حين أدرك الموالون لهذه «الشماعة» أنها مجرد مشجب لتعميم مرار الهوان، وذل الإذعان، لوصاية وأطماع دول الغزو والعدوان، ونخاسة حاشية العمالة والارتهان. حين أيقنوا أن «الشرعية» مجرد مقلب ومخلب لنهشهم.
وبخلاف ما تشهده المحافظات الجنوبية عموما، من احتجاجات شعبية، تكاد لا تتوقف، وبروز أيدي «قوى التحالف» في توجيه محركات سخطها العام على تدهور الأوضاع وتردي الخدمات والانفلات الإداري والأمني؛ تأتي الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في كل من عدن وتعز، مغايرة في مقدار الضيق بالواقع وطلب المنافع والإخلاص في طلب الخلاص.
بدت التظاهرات والاحتجاجات المتواصلة في تعز منذ قرابة شهر، شعبية صادقة، رغم كل المحاولات المستمرة من أحزاب «الشرعية» لامتطائها وتوظيفها لصالح كل منها؛ وعكست مطالب الاحتجاجات المعلنة، استنادها إلى قدر من الوعي بمكامن الاختلال ومواطن الاعتلال، وعمق الألم والاكتواء بمآلات الأوضاع العامة، ووضوح الرؤية لمتطلبات التغيير وسبل الخلاص.
يظهر هذا في طلب هذه الاحتجاجات ما سمته «استعادة الدولة اليمنية المختطفة»، وتمسكها بمطالب «إسقاط المحاصصة الحزبية وتقاسم مكاسب الكرب ومغانم الحرب»، و»إسقاط الارتهان لوصاية هذه الدولة وتلك الإمارة، وهذا الأمير وذاك السفير»، وتشديدها على «حق الشعب في تقرير المصير ومنح السلطة لمن يستحقها» فيحكم ويضبط ويربط ويخدم.
هذا لا يعني أن الاحتجاجات في تعز بعيدة عن أزلام تحالف الحرب العدوانية، فهناك جهود ومساع حثيثة لاحتواء الاحتجاجات وإجهاضها، وفي أحسن الأحوال لتوظيفها وتجييرها في سياق مكايدات هذه الأزلام وتصفية الحسابات بينها. مع ذلك، يمكن لهذه الاحتجاجات أن تنجح في تحقيق «التغيير الشامل لواقع الاعتلال الماثل» ما بقيت مستقلة بقرارها وإرادتها الحرة.
وكما أكدت بيانات هذه الاحتجاجات التي تقودها «حركة ثورة الجياع»، على أن «الشعب يَغْلب ولا يُغْلب»، فإنها تستطيع أن تنتصر لإرادة المواطنين المشاركين فيها، وانتزاع «حقوق المواطنة» التي تنادي بها، واختيار «سلطة شرعية تمثل الشعب»، واستعادة «حضور حقيقي لمؤسسات الدولة ووظائفها وسيادة فعلية للنظام والقانون على الجميع التزاما ومحاسبة».
تستطيع أن تحقق هذا وغيره من المطالب المشروعة لأي شعب في أي زمان ومكان، وتحت أي ظروف وصروف، ما بقيت احتجاجات شعبية لا حزبية، وبقيت دوافعها حقوقية عامة لا مناطقية أو فئوية، واستمرت في طلب التغيير لا التغرير، وظلت أهدافها استعادة الدولة، السيادة، الكرامة، الحرية، العدالة. المرتكزات الرئيسة لحياة كريمة يذكيها الأمل في غد أفضل وحال أمثل.

أترك تعليقاً

التعليقات