ألغام صنعاء!!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يحدث في بلادنا، وفي ظل هذه الحرب الحاقدة والمدمرة وظروف المعيشة الصعبة والقاسية، أن تغدو السيارة وسيلة رحمة توفر فسحة توفير اللقمة، باستئجار سيارات الأجرة للعمل عليها وتقاسم مدخولها مع ملاكها، فتنزاح قليلا الغمة بدوران عجلة لهاث تأمين مقومات العيش بشرف وكرامة.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة والبساطة، ولا يخلو من مكابدة ومعاناة، ومغامرة أيضاً ترقى إلى المجازفة، ليس لارتفاع سعر البنزين، ولا لارتفاع أجر مالك السيارة اليومي، بل لما قد تواجهه من محنة القيادة في شوارعنا الرمة، بتهالكها وتهتكها حدا يتجاوز المشقة إلى أسباب الابتلاء بنكبة!
السيارة في ذاتها نعمة، وامتلاكها مدعاة للحمد والغبطة، بل وحسد الآخرين؛ لكنها ليست كذلك 100%، فما أسرع أن تصير نقمة، ليس بسبب السرعة وحوادث السير، بل بجناية مطب أو حفرة من آلاف المطبات والحفريات المنثورة في شوارعنا حد إحالتها إلى حقول ألغام بكل ما تعنيه الكلمة، تورث نكبة!
نعم، نكبة تفوق ما بيدنا من حيلة. ورغم كل حرصك وجام عناء تركيزك البصري ومجهودك الذهني وجهادك البدني كي لا تقع في حفرة ما أو يباغتك مطب ما، يتجاوز الأمر حدود القدرة، ويتخطى تعليلات القدر إلى السير نحو التهلكة من دون قصد أو نية أو رغبة أو حيلة، مع أول زخة لغيث الرحمة!
يحدث هذا وكثيرا ما حدث ويحدث من غير حول ولا قوة لمعشر سائقي السيارات والشاحنات وكل آلة وعجلة، جراء نحت مياه المطر طبقات الإسفلت. ذلك أمر معلوم للعامة والخاصة أيضا، لكن غير المفهوم بالمرة أن تتفرج الجهات المختصة ولا تبادر حتى لترميم هذه التشققات وردم هذه الحفريات، وأن تتركها ينابيع للنكبات!
لا يمكن للمرء مهما حاول وسعى أن يحيط علما بكل حفريات نحت الأمطار، بالذات وأن مياه الأخيرة تحجب الرؤية ليس إلى حد تعامي المارة من السيارات والعامة، بل تحجب رؤية مخرجات نحتها للطرقات، وتواري كما هائلا من الحفريات والمطبات، فتغرر بك وتوقعك في حفرة تكسر قلبك قبل عظام سيارتك.
الوقوع في حفر الشوارع يعني الوقوع في نكبة، بل طامة، فهو يعني بالضرورة تحطم قطع هامة في محرك السيارة وانثقاب علبة الزيت أو كور المكينة، وعدم إدراك ذلك سريعا وإيقاف تشغيل السيارة يعني تلف المكينة بالكامل خلال أقل من 5 دقائق، وهذا يعني مصيبة تامة عنوانها مئات وليس عشرات الآلاف من الريالات.
تخيلوا حال من يستأجر سيارة أجرة للعمل عليها حين يُنكب بمثل هذه النكبة! مصيبته ستكون مُركبة أكثر من مصيبة مالك السيارة. فهو حينها سيفقد دخله اليومي لبيته، وسيتراكم عليه الأجر اليومي لمالك السيارة، وسيكون مطالبا بتوفير (200 - 300) ألف ريال قيمة مكينة جديدة للسيارة وأجور تركيبها...
حدث هذا مع كاتب السطور، واكتشف مئات المآسي لدى زيارته ورشات إصلاح السيارات. وجد هذه الورشات مزدحمة بالسيارات المنكوبة بتلف محركاتها (المكينة) جراء تسرب زيتها نتيجة انكسار أو انثقاب علبها (كور المكينة) بجناية الفاعل نفسه: حفريات الشوارع ومطباتها المتنامي انتشارها كالسرطان.
ما سلف يستدعي من المعنيين بالطرقات شيئا من استشعار حجم هذه الكارثة، يتطلب شيئا من الإحساس بالمسؤولية، وقبل هذا وذاك شيئا من الذمة والأمانة وتقوى الله، وشيئا من الرحمة والمبادرة سريعا إلى نزع ألغام الشوارع بترميم تشققات الإسفلت وردم حفرها وإزالة عشوائي مطباتها، المتناثرة خبط عشواء.
هذا عمل فيه مرضاة الله ورسوله (إماطة الأذى عن الطريق)، وهو ساحة لإثبات الانتماء للوطن والولاء له ولشعبه، وتجسيد فعلي للمسؤولية، وإثبات عملي للأمانة والكفاءة والجدارة بتقلد الوظيفة العامة، وقبل هذا وذاك شاهد حقيقي على التصدي للعدوان ومواجهة تحالفه وآثاره وتداعياته على الحياة العامة.
لا حاجة للشعب إلى مبررات ولا أعذار قد تسهل التخرصات والتواكل في الواجبات بزعم انحصار الاختصاصات وازدواج الصلاحيات وشح المتاح من الإمكانيات... الخ، ما يعقد المشكلات ويوسع دائرة التداعيات ويفاقم الأزمات وينامي التبعات ويعطل الحياة ويسهم في إعدام مقومات العيش بشرف وكرامة.
كل الأمل أن تصل هذه المشكلة الظاهرة الطامة إلى أمين العاصمة ومحافظي المحافظات وكذا صندوق صيانة الطرقات وصناديق التحسين الحضري، إن لم يكن رأفة في مئات آلاف الغلابا من سائقي سيارات الأجرة والباصات وسيارات الـ»خصوصي» وسيارات الشرطة والجيش، فليكن رحمة بصحة الملايين من بعوض الكوليرا والملاريا وغيرها من المهلكات الناتجة عن تجمعات المياه الراكدة.

أترك تعليقاً

التعليقات