الحنــــــــــــوب!!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

حَنِبَ وحَنَبَ، وحَنَّبَ، حَنْباً، يُحنّب وتَحَنَّب، تَحَنُّبا، وحَنْبَه، وأحنبه، حنبة، وحنبات، فهو حانب.. أي: نَشَبَ وعَلِقَ وتعثر، وكمن اعوجت ساقاه وتقوس وانحنى ونكس وأنهك.. وتلك حال اليمن عموماً، وجنوبنا العزيز خصوصاً، وأهله الأحبة، وجميع من يتنازعون حكمه. الجميع حانبون!
كل القوى المتصارعة لبسط نفوذها وفرض سيطرتها على الجنوب، على تعدد مسمياتها وولاءاتها، جميعها حانبة! لم يستقم الحكم لإحداها، ولا انفردت أيٌّ منها بسلطاته، وكل منها مازالت تتربص بالأخرى وتتحين فرصة إفنائها وتصطدم معها بين حين وآخر... من دون أمل!
جميع المكونات السياسية وفصائل الميليشيا المسلحة والقوات العسكرية، فرقاء، أعداء، اتفقوا فقط على العبث بالجنوب وتدميره، واستباحة مقدراته، على قاعدتي: "من سبق سبق" و"لا تُبقِ ما كان في متناول اليد"، ومن المنطلق نفسه: "لي ولا للغريم"!
يافطة واحدة يستظل بها الجميع عنوانها الفيد، وشعارها "اغتنم حال الرفلة قبل عودة الدولة". لهذا، الجميع لا يسعون لإنهاء حال الانفلات، بل يغذون دوامها، لاستمرار مصالح جمة ما كان لأي منهم أن يجنيها في عقود عدة، في ظل حكم دولة!
لتذهب جميع هذه القوى إلى الجحيم. كل ما يهمني بحق ويبعث في نفسي اللأسى بصدق هو حال الناس البسطاء مثلي في عدن ومدن جنوب اليمن. ما يلاقونه ليس هينا، رغم ادعاء جميع القوى وجودها لأجلهم، وهو ادعاء صاخب يشبه تماما العواء!
أهوال عدة يواجهها أهلنا في الجنوب تتجاوز مشترك معاناة اليمنيين -عدا هذه القوى- من الفقر والجوع والعوز والحرمان، إلى غصة الخيبات في مَن يتصدرون الحديث باسمهم من أبنائهم، ومرارة الخذلان منهم، وانعدام بصيص الأمل فيهم، وفي غد أفضل!
بكل أسف، فوضى المليشيات تتسيد جنوب اليمن، وبلطجة عناصرها تستبد بالناس، وإعدام مظاهر الدولة والعدالة يعمم الضيم ويسمم العيش بالقهر والظلم، وانعدام سبل الكفاية ومعاناة تأمين الحاجة تصرف الهم العام إلى الهم الخاص والانشغال به.
سرقة بنك هنا ومحل صرافة هناك ومقرات ومتاجر، ونهب أراض هنا ومنازل ومصانع هناك، وفرض إتاوات لهذا وجبايات لذاك، واشتباكات في هذا الحي وانفجارات في الحي الآخر... ومن ضاق به الحال انخرط في القتال مقابل تأمين "قوت العائلة والعيال"!
مصادرة الممتلكات العامة والخاصة غدت نشاطا يوميا، ووقائع الاختطاف والاعتقال والتعذيب والاغتيال صارت أبرز المناشط والأحداث وعناوين الأخبار، يضاف إليها طغيان الإهمال لحاجات العامة وتعمد الإذلال لهم بشتى صنوف النكال.
ليس أقل بواعث الضنك والعناء تأخير الرواتب، ولا إسقاط البعض من قوائم الصرف بحجج الانقطاع أو الوفاة أو الفصل التعسفي، ولا نيران أسعار السلع، وانقطاع الكهرباء، وإعدام المشتقات النفطية، وطفح شبكة المجاري، وتراكم مخلفات النفايات...
كلها، وغيرها من مكدرات العيش حد الكمد، تمارس على نحو متعمد، وكنتاج لا مبالاة وإهمال، وانتهاز واستغلال، واتخاذها وسائل إشغال وإذلال، وسبيلا لإخضاع السواد الأعظم لهوان استجداء العون ومساعدات الإغاثة وانتظار توزيع السلال؛ مع شكر إذلال سلطات الاحتلال!

أترك تعليقاً

التعليقات