الذئاب.. والانتخاب
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

وإذن، كان يمكن أن لا تكون هذه الحرب لو أن الحاكمين كانوا مخلصين للشعب يحتكمون لإرادته الحرة في صناديق الاقتراع، لا حشود ما سمي "ساحات براءة الاختراع"، ويستمدون شرعية حكمهم من غالبية أصوات الشعب في صناديق الانتخاب، لا من غلبة صناديق ذخيرة الانقلاب أو الإرهاب، أو وفرة تمويل صناديق الوصاية والاستلاب.
كان بمقدور الأحزاب الضغط بكل ما تستطيع لإجراء الانتخاب العام، لا أن تضغط لإلغاء حق الانتخاب! أن تتسلح بحق التنافس في رؤى إحداث التغيير إلى الأفضل وتسعى بجد لاستحقاق شرعية تفويض الشعب للرؤية الفائزة بثقة أغلبية أصواته في صناديق الاقتراع، وتخويله جهتها الحكم وتنفيذ التزامات رؤيتها، لا أن تنشد التفويض من الخارج لتنفيذ رؤيته أو أجندته!!
حتى بعد توافقها على تنصيب رئيس مؤقت وتقاسمها السلطة والمكاسب والمناصب دون تفويض من الشعب، كان يمكنها أن تسعى إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية وتجنيب اليمن هذا الدمار لمقدراته ونزيف الدماء. وبدلاً من أن يقدم هادي استقالته لمجلس النواب كان يستطيع وفق الدستور "الدعوة للانتخابات خلال 90 يوما".
لكن النوايا لم تكن خالصة لأجل اليمن وشعبه، والحاكمون المنقلبون على الدستور دعاة "إسقاط النظام" كانوا ينفذون أجندة "الشرق الأوسط الجديد" تحت مظلة "الربيع العبري"، وأمعنوا في تدمير الدولة وتفكيك مؤسساتها وتعميم الإعطاب وتمكين الإرهاب وتأجيج الالتهاب، وصولا إلى إشاعة الخراب وإطلاق هذا العذاب!!
عوم الحاكمون بالانقلاب النوائب وعمموا المصائب، تدهورا للخدمات العامة وانفلاتاً إداريا وأمنيا، اغتيالات وتفجيرات وتقطعات واختطافات واعتقالات واعتداءات وإقصاءات وتعسفات، وجعلوا فيد الانتهاب سلوكا جامعا ونشر "الفوضى الخلاقة" والفساد وتأجيج الالتهاب وسيلة والارتهان التام للخارج سلوكا في مقابل الامتهان الدام للداخل هدفا!
حتى الحوار لمعالجة المشكلات وجبر أضرار دورات الصراع السياسي جرى حرفه إلى بحث اسم الدولة وهويتها ولغتها وشكلها ونظامها السياسي، وتقسيمها إلى أقاليم ذات مقومات سيادة (دساتير وبرلمانات ومجالس شيوخ وحكومات وموارد) مع إقرار "حق كل إقليم في تقرير مصيره السياسي" اتحادا أو انفصالا واستقلالا بكيان دولة أو انضماماً لأي دولة!!
صادر الحاكمون بشرعية الانقلاب إرادة الشعب وحقوقه في العيش بأمان وحرية وكرامة واختيار حكامه، وأهدروا موارد الدولة ومقدراتها، وبددوا سيادة الدولة واستقلال قرارها، وأداروا الحكم بتمديد الأزمات وتجميد المعالجات في سبيل بقائهم دون غيرهم حاكمين، ولأجل تبرير تمديد اغتصابهم للسلطة بزعم أن "الظروف العامة غير مواتية بالمرة لإجراء انتخابات"!!
سجلوا سابقة أولى من نوعها بطلب "إدراج الدولة تحت الوصاية الدولية وأحكام البند السابع لمجلس الأمن الدولي"، فقط ليلغوا إرادة الشعب وحقه في الانتخاب، ويستمدوا "اعترافا دوليا" بهم يشرعن سلطة الانقلاب وحكم الاغتصاب وسياسة الإعطاب العام التي انكبوا على تنفيذها بإشراف مجلس وصاية "سفراء الدول العشر" الذي ظل راعيا للاضطراب لا الاستتباب وداعما للانهيار لا الازدهار!
هذه الرعاية الدولية للاضطراب في اليمن وهذا الدعم الدولي لانهياره، مازالا قائمين ومستمرين بعد نجاحهما في تفجير الحرب وتسويغ التدخل العسكري الخارجي ما يسمى التحالف، ولن يتوقفا إلا بتنفيذ الأجندة المرسومة: تقسيم اليمن إلى دويلات تابعة خانعة ضعيفة، واهتبال ضعفه في تحقيق أطماع إقليمية ودولية لم تعد خافية!!
كل الشواهد والمعطيات تؤكد هذا، ولولا أن هذا هو التوجه الدولي الماثل لتغذية وإدارة الحرب في اليمن، لكانت دول الوصاية العشر وتحالف الحرب، تستطيع أن تضغط باتجاه حل وحيد وأكيد هو الاحتكام لإرادة الشعب اليمني في صناديق الاقتراع وتمويل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، تحقق شرعية الحكم وتبعا الاستتباب.
لكن السلام في اليمن وأمنه واستقراره وسيادة أراضيه ووحدة كيانه وسلامة شعبه واستتباب أوضاعه وتبعا ازدهاره، لم يكن هدفا حقيقيا لدول الوصاية وتحالف العدوان في يوم من الأيام، قدر ما كان هدفها المؤكد عمليا وما يزال هو تعميم الخراب في اليمن للانقضاض عليه، وافتراسه كغنيمة حرب ونهشه نهش الذئاب!

أترك تعليقاً

التعليقات