لا قلق!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
لا قلق، ولا ينبغي لكل من يؤمن برب الفلق، الاستسلام لشعور القلق. يتعين أن نتيقظ للشر وبيناته ونسعى في دفعه مستعيذين بالله العزيز القدير من شر ما خلق. أكان هذا الخلق كائنا حيا، أو كائنا ميتا، تجري محاولة بعثه إلى الوجود، لينفث شروره كما يريد تحالف الشر والإثم والعدوان، لليمن، ويسعون إليه منذ ما قبل 2011م، بمعاونة ثلة من الجبناء!
لست قلقاً، شخصياً، وقلت هذا مرارا، لا أشعر بالقلق كثيرا على وحدة اليمن، إلى درجة الفزع، رغم كل ما قد يثير الجزع من مؤامرات عليها ومخططات ضدها، لم تعد سراً وتداولها يجري علنا، وأدواتها في الداخل تجاهر بتبنيها وتزعم "النضال" لإنفاذ خطة "الانفصال" على أرض الواقع،حتى لو تطلب الأمر التحالف مع الشيطان نفسه!
لا أشعر بالقلق، لأن وحدة اليمن، وحدة وجود سابقة لوحدة الآباء والجدود، لا يفصمها النكران ولا يبطلها الجحود، ولا يلغيها تعاقب الدول وتباين النظم السياسية واختلاف الحدود في المكان نفسه الذي كان وسيظل يعرف باسم اليمن مثلما كل ما به من بشر وطير وشجر وحجر، ينسب إليه ويحمل صفته وهويته: يمني ويماني، ويمان.
لا خوف على وحدة اليمن، فكل ما عداها لا يلغي عن المكان اسم اليمن ولا يسقط عن الكيان هوية اليمني. إنسان المكان ينحدر من أرومة يشجب بن يعرب بن قحطان، واللسان ظل واحدا عربيا بلهجاته الأصيلة المسماة “العربية الجنوبية”، وقبله قلم التدوين والبيان، ظل واحدا يسمى “المسند” وأهدى اليمنيون به للإنسانية أول حروف أبجدية.
لم تكن أحداث الصراع في اليمن عبر التاريخ، صراع هويات أو عرقيات أو شعوب، بل كانت ولاتزال أحداث صراع سياسي ودورات عنف سلطوي لم تلغ اسم المكان ولا هوية الكيان ولا أنتجت بشراً جديد الدم والعرق واللسان، بقدر ما ذهب المتصارعون وطواهم النسيان، وما عادوا يذكرون في الأذهان، وتنفر منهم الأنفس والوجدان.
ظلت الصراعات اليمنية الداخلية على السلطة ترفع شعار وهدف الوحدة، وحدة اليمن الكبير، الممتد لشمال الجزيرة العربية والخليج العربي، كيانا وسيادة، منذ ما قبل ظهور الأديان السماوية بقرون عدة. لكن أحداً من هؤلاء المتصارعين على السلطة التوحيدية لليمن، لم يجرؤ على ادعاء الانسلاخ عن اليمن، دماً وعرقاً، هوية واسماً.
بقي المتصارعون على السلطان، يدعون إلى صون وحدة الكيان، كلما لاح التمزق وتفرق “أيدي سبأ” وأطل الهوان. ظل جميعهم يرفعون هدف توحيد اليمن، ويسعون إليه، سلماً وحرباً، تحالفاً وانصهارا، في مواجهة الأطماع الخارجية، من قوى الطغيان، إمبراطوريات وقوى الهيمنة والنفوذ على مر الأزمان، في موقع اليمن الجغرافي وثرواته.
لم يحدث أن أعلن جزء من اليمن، انفصاله عن اليمن الكبير، إلا بتدخل خارجي من قوى العالم المتصارعة على ثروات العالم في سباق الهيمنة وبسط النفوذ على التجارة وطرق الملاحة الدولية، وأهم مضايقها الذي يطل عليه اليمن ويتحكم فيه، وأعني مضيق باب المندب، بجانب مضيق هرمز في الخليج العربي، الذي ظل تحت السيادة اليمنية.
يحكي التاريخ عبر صحائفه على الحجارة والمعادن بخط العربية الجنوبية (المُسند) وكتاباته المكتشفة، أن اليمن لم يخضع لاحتلال قوى الخارج إلا في حقب وهنه جراء تفرق أيدي شعبه، وتمزق كيانه إلى دول (ممالك) يمنية متجاورة متصارعة، على حكم اليمن كاملا. مدينا كثيرا من المتصارعين بالاستعانة بقوى الخارج وتبادل الاعتراف معها.
الأمر نفسه يتكرر اليوم، عبر استدعاء طامحي السلطة، قوى الخارج مقابل الاعتراف بشرعية حكمهم اليمن وجني مصالحهم وخدمة مصالح هذا الخارج. مع فارق أن جبهة الداخل اليمني اليوم، أكثر اتعاظاً بعبر الماضي ودروسه، وأكثر وعياً بمؤامرات الحاضر، وتتمترس في خندق استقلال القرار والسيادة والإرادة الوطنية، وتبعاً الإدارة.

 ملاحظة: للاستزادة يمكن البحث عن مقال للكاتب نشره في مايو 2015م، بعنوان: “اليمن.. وحدة وجود سابقة لوحدة الجدود”.

أترك تعليقاً

التعليقات