«إنسانية» مُسيرة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يلعبون بأذهان الناس، كما لو كانوا مغيبين. يستمتعون بهذا، ويجيدون فعله في كل حين. كلما بدا أن حدثاً سيفضح إجرامهم، سارعوا لتسليط الأضواء على حدث آخر، وهكذا يستمرون في خداع العالمين، إنما حتى حين!
صرف الأنظار، لعبة تجيد ممارستها وسائل الإعلام الغربية، ذات رؤوس الأموال الصهيونية، في معظمها. تختار من بين آلاف الأحداث حول العالم، حدثا، وتسلط الأضواء عليه، وتتبعها آلاف وسائل الإعلام، كقطيع الماشية!
آخر أمثلة هذه اللعبة، حادثة الطفل ريان. الحادثة صحيحة، وليست خيالاً، لكن التعاطي معها أخذ أبعاداً هوليوودية لأغراض جلية لكل متابع فطن. ولهذا موجة الإنسانية الطارئة التي اجتاحت العالم حيال الواقعة، كانت زائفة.
واقعة سقوط طفل في بئر عميقة وضيقة، ليست الأولى. حدثت مراراً في غير بلد، وآخرها ربما في إحدى المقاطعات الصينية، وجرى انتشال طفل من بئر عمقها يصل إلى 60 متراً، وعرضها بالكاد 20 سنتيمتراً، وخلال ساعات.
لم يحدث هذا مع حادثة الطفل المغربي ريان. سقط في بئر عمقها 32 متراً وعرضها يبدأ من 40 سنتيمتراً ويضيق إلى 20. استمرت أعمال الإنقاذ قرابة خمسة أيام. صارت مادة دسمة لصرف الأنظار عن مآس أشد وأقسى وأبشع.
أقرب هذه المآسي الإنسانية الحقيقية، ليست بعيدة عن المغرب أو الوطن العربي. بالتزامع مع مأساة ريان، كان هناك مئات الآلاف من الأطفال في سوريا يموتون من برد الثلج وفي اليمن من قصف وحصار تحالف العدوان نفسه.
لا بواكي مطلوبة ولا محصودة لكل فجائع عدوان تحالف الشر والباطل. جرائم هذا التحالف تفوق الحصر، عداً ورعباً، لكن الأنظار عنها منصرفة أو بمعنى أدق جرى صرفها إلى ما هو أهون فظاعة وأقل بشاعة لـ»إنسانية» مسيرة.
صرف الإنظار، إعلامياً، عن الأحداث الأهم عالمياً، إلى الأحداث الأقل أهمية، حرفة أصيلة في الإعلام الأمريكي، تكاد تكون طابعاً دامغاً له، أو قل علامة مسجلة. في كل الحروب الأمريكية الغاشمة ظلت الأنظار لاهية عنها.
يكفي أن تتبنى إحدى وكالات الأنباء الأمريكية حدثاً، لتبرزه على الفور قنوات التلفزة الأمريكية، وتتبعها في ذلك تبعية القطيع، معظم وسائل الإعلام حول العالم. تتلقف الطعم وتتماهى معه لأغراض تتجاوز تغطية ساعات البث.
مع الأسف، لاتزال أكثر وسائل الإعلام العربي، شهرة ورواجاً، غارقة في صنوف الإلهاء من أفلام ومسلسلات هابطة في معظمها، وأغان وحفلات ومهرجانات فاضحة أغلبها، ونشرات أخبار تمارس صرف الأنظار عن الأهم.
لكن، لا ينبغي اليأس. حيلة التضليل وصرف الأنظار، باتت مكشوفة. ربما ليس لجميع شعوبنا الحرة المقاومة التي تواجه ترسانة ضخمة لإعلام حلف الشر والباطل. لكن النخبة -على الأقل- باتت تعرف الحيلة وهذه اللعبة.
تراجعت الغفلة لدى كثير من وسائل إعلامنا العربي المقاوم للهيمنة الغربية والحلف الأنجلو-صهيوني. لم تعد وسائل عدة تساق كقطيع الماشية. صحوة الإعلام العربي المقاوم تتصاعد وصارت ذات مقدرة على ترتيب الأولويات.

أترك تعليقاً

التعليقات