غرماؤنا!!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
مِن نكد العيش أن يظل اليمن رهينة أهواء وإرادات مترفيه. عصبة من المنتمين إليه، ما تزال هي نفسها، تعاملت مع اليمن وما تزال بوصفه غنيمة، تقاسمتها سلطة ونفوذا وثروات، بل وتشاركت بضمان بقائه وشعبه عظاماً! شعباً فقيراً محروماً ومظلوماً ومُهاناً على أرضه ومهاجر الغربة، وبلداً ضعيفاً متخلفاً تابعاً ومنقاداً لهذه الدولة وتلك!!
الحال اليوم نتاج عبث العصبة نفسها وفسادها طوال عقود. نتاج إسهامها في تفكيك وتفكك ليمن يُراد له أن يسير باتجاه التفتيت وانهيار الدولة والوصول إلى ما يسمى “الدولة الفاشلة” عبر “التدمير الذاتي” لكيان ومؤسسات الدولة ونسيجها المجتمعي، وفرض كيانات قوى ذات “هويات خاصة” مصطنعة بعسف التضليل وقوة السلاح، وصولاً لتقاسم الدولة بكلها وتمزيقها!.
لم تكتفِ عصبة مترفي اليمن ومَن يوالونها وأربابها، بتقاسم السلطة والثروة والنفوذ في اليمن، وانكبوا جميعهم على تنفيذ ما أمروا به من تقسيم اليمن إلى دويلات ذات سيادة بتسمية “أقاليم اتحادية” صغيرة المساحة، محدودة الموارد، مقيدة القدرات، غير مستقلة، وتابعة أو خادمة لأجندات مصالح وأطماع قوى النفوذ والهيمنة الاقليمية والدولية!!
فعلياً، التدخل الخارجي الإقليمي والدولي الراهن في اليمن ليس طارئاً، بل هو امتداد سياسة خارجية لليمن ظلت غير ندية وغير سوية، وقائمة على تبعية القرار لمن يقدم مساعدات ومنحاً مشروطة، وعلى علاقات مختلة مع الخارج، منفرطة العقد ومنفلتة الأطر أو ما يعرف بـ”الباب المفتوح” على مستويات متعددة، يمكن تلخيصها في ثلاثة مستويات رئيسة.
ظل الخارج لعقود يقيم علاقات علنية مع سلطة الدولة، ومع قوى نفوذ أضحت أجنحة سلطة أو دولاً داخل الدولة، ومع قوى “فئوية” وليست “مدنية” بالنظر للمنطلقات والممارسات والغايات، تتمثل في تنظيمات سياسية ومنظمات وجمعيات وكيانات مجتمعية فئوية ونخبوية نقابية. بمعنى أن ما كان يجري تحت الطاولة صار يجري فوق الطاولة وعلى المكشوف!
هذه الحال، مع مرور الوقت، تسببت في تداعيات وخمس عواقب رئيسة يلمسها ويتجرع آثارها كل مواطن، وهي: تأكل السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني، ضعف الدولة وسيادة دستورها وقوانينها واستقلال سلطاتها الثلاث وكفاءة مؤسساتها وكفاية ذاتها، توالد قوى النفوذ وجماعات المصالح، انتشار الفساد القيمي والمالي والإداري عمودياً في هرم الدولة وأفقياً في فئات المجتمع، تنامي الأزمات الناجمة عن مشكلات التخلف التنموي والعجز الخدمي واتساع دوائر الأمية والفقر والبطالة والعوز والحرمان والمظالم والاغتراب والهجرة وارتفاع معدلات الجريمة، وتبعا انحسار عوامل الاستقرار والاستتباب بمقابل ازدهار فواعل التوتر والاضطراب بين قوى النفوذ وصراع مصالحها وأجندات ولاءاتها الخارجية، بالتوازي مع تصاعد الاحتقان والالتهاب بين أوساط المجتمع.
يتأكد هذا بالرجوع لمسار مجريات الأحداث العامة محليا وحيثيات جميع الأزمات المتلاحقة والمشكلات المتفاقمة. سيجد المدقق لأسبابها ووثائقها الكيفية والكمية، والمتفحص لسير وقائعها، رابطا مباشرا ويدا للتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية المباشرة منها وغير المباشرة بمستوياتها الثلاثة لعلاقة اليمن مع الخارج، وأثرا رئيسا بيّناً لتداعياتها وعواقبها الخمس سالفة الذكر على مختلف النواحي والمجالات.
هذا ملخص يمكن الاستفاضة فيه بوقائع ووثائق دامغة. ومن المغالطات الحمقاء إنكاره، مثلما من الهرطقات الخرقاء اختزال مشكلات اليمن في حدث بذاته. هناك معطيات جغرافية ثابتة وتاريخية متجددة ظلت حاضرة في مختلف هذه المشكلات على مر عقود من الزمان. كل ما هنالك هو تغير محرضات ولافتات وأدوات المشكلات وتفاقمها ودورات انفجار تداعياتها.
قدر اليمن أن يقع بخاصرة العالم ويهيمن على بوابة المرور بين أهم وأكبر قاراته، وأن يكنز ثروات هائلة. وهذا الموقع الهام ما انفك يُسيل لعاب قوى الهيمنة والنفوذ الدولية ويحفز تدخلاتها، وما كانت تنجح إلا بتفريق أيدي اليمنيين وكلمتهم وموقفهم، مثلما ظل اتحاد أيديهم واتفاق كلمتهم وولائهم لليمن، سدا منيعا وقوة كبيرة تقهر الخارج وتكسر مؤامراته.

أترك تعليقاً

التعليقات